فاتيكان نيوز / ترأس البابا فرنسيس، صباح اليوم الأحد 28 أيار، في بازيليك القديس بطرس، القداس الإلهي لمناسبة الاحتفال بعيد العنصرة، وتمحورت عظة قداسته حول عمل الروح القدس، فأشار إلى أننا نجد هذا العمل في ثلاث لحظات، ألا وهي: في العالم الذي خُلق، ثم في الكنيسة، وأخيرًا في قلوبنا.
عمل الروح القدس في العالم
وفي حديثه عن النقطة الأولى، قال البابا إنّ الروح القدس يعمل ومنذ البدء، وذكَّر بأننا نصلي مع المزمور فنقول: “تُرسل روحَكَ فيُخلَقون”، الروح هو خالق إذن وهكذا تتضرع إليه الكنيسة دائما. وتابع أنه يمكن التساؤل هنا عما يمكن أن يكون عمل الروح القدس بشكل محدد، فأصل كل شيء يعود على الآب وقد خُلق كل شيء من خلال الابن، ما هو دور الروح القدس إذن؟
وفي الإجابة على هذا السؤال أشار إلى حديث أحد آباء الكنيسة، القديس باسيليوس، عن أنه لا يمكن انتزاع الروح القدس من الخليقة لأن ذلك سيعني اختلاط كل الأمور وستبدو حياتها بدون قانون أو نظام. دور الروح القدس هو بالتالي جعل كل ما هو مخلوق ينتقل من الفوضى إلى النظام، من التشتت إلى التلاحم، ومن التخبط إلى الانسجام، أسلوب العمل هذا، تابع البابا، نجده دائما في حياة الكنيسة. وأضاف أن هكذا، وبكلمة واحدة، فإن الروح القدس يهب العالم الانسجام، فهكذا يوجه مسيرة الأزمنة ويجدد وجه الأرض.
وأشار إلى ما يعاني منه عالم اليوم من خلافات وانقسامات، وأضاف أننا جميعًا متصلون فينا بيننا إلا أننا منفصلون، تُخدرنا اللامبالاة وتقمعنا الوحدة. وتحدّث هنا عن الحروب والنزاعات الكثيرة، وقال: إنّ ما يمكن للإنسان أن يفعل من شر يبدو غير قابل للتصديق، إلا أن ما يغذي عداواتنا هو روح التفرقة، الشيطان. وتابع أن جهودنا من أجل بناء التناغم لا تكفي أمام شر الخلافات، وهكذا يفيض الرب في العالم في ذروة فصحه وقمة خلاصه الروح القدس الذي يواجه روح التفرقة وذلك لأنه انسجام وروح وحدة يقود إلى السلام، داعيًا إلى التضرّع يوميًا طالبين عطية الروح القدس في حياتنا.
عمل الروح القدس في الكنيسة
ثم انتقل إلى الحديث عن عمل الروح القدس في الكنيسة، فأشار إلى أنه يجعل الكنيسة تبدأ بالنزول على كل رسول حيث ينال كل منهم نعما خاصة وكاريزما مختلفة. وأضاف البابا أن مثل هذه التعددية يمكن أن تؤدي إلى التخبط، إلا أن الروح القدس، وكما في الخلق، يصنع التناغم من التعددية. وليس هذا تناغما مفروضا أو تجانسا، بل هناك نظام في الكنيسة يقوم على تنوع العطايا والمواهب، وذلك حسب ما كتب القديس باسيليوس. وعاد البابا هنا إلى العنصرة مذكرا بأن الروح القدس لم يخلق لغة واحدة للجميع بل نزل على الرسل بلغات مختلفة جاعلا إياهم قادرين على التكلم بهذه اللغات، أي أنه لا يلغي الاختلافات والثقافات بل يجعلها متناغمة. لا يبدأ الروح القدس بالتالي العمل انطلاقا من مشروع مخطط كما نفعل نحن، بل يبدأ بتوزيع عطايا مجانية ووفيرة. وقد جاء في سفر أعمال الرسل “فامتلأوا جميعا من الروح القدس”، هكذا بدأت حياة الكنيسة، قال الأب الأقدس، لا من خطة دقيقة ومفصَّلة بل من اختبار محبة الله ذاتها.
وتطرّق قداسته إلى المسيرة السينودسية التي انطلقت وتستمر، وقال: إنّ هذه يجب أن تكون مسيرة حسب الروح القدس، لا برلمانًا للمطالبة بحقوق أو احتياجات أو مناسبة للسير إلى حيثما تحملنا الرياح، بل فرصة كي نكون مطيعين لنفخة الروح القدس الذي به فقط تُبحر الكنيسة في بحر التاريخ. وأضاف أنّ بدون الروح القدس يصبح الإيمان مجرد عقيدة والنشاط الرعوي مجرد عمل، أما مع الروح القدس فالإيمان هو حياة، هو محبة الرجاء التي تَكسبنا، ويُولَد الرجاء مجدَّدا. علينا أن نضع الروح القدس في مركز الكنيسة، قال البابا فرنسيس، وإلا فلن تتقد قلوبنا بمحبتنا ليسوع بل لذاتنا فقط.
عمل الروح القدس في حياتنا
ثم تحدث قداسته عن عمل الروح القدس في حياتنا، وتمحورت كلمته حول التناغم والانسجام. وقال: إنّ يسوع قال للرسل “خذوا الروح القدس، وذلك لهدف بعينه ألا وهو مغفرة الخطايا، أي المصالحة بين النفوس، وذلك لإحداث تناغم بين القلوب التي مزقها الشر وفتتتها الجروح وفككها الشعور بالذنب. وأضاف قداسته: إن أردنا تناغما فلنبحث عن الروح القدس لا عن الأمور الدنيوية، فلنطلبه بادئين كل يوم بالصلاة وجعل أنفسنا مطيعين له.
ودعا الجميع إلى التساؤل اليوم مع احتفالنا بالعنصرة، بالروح القدس، إن كنا نطيع تناغم الروح القدس أم أننا نتبع مشاريعنا وأفكارنا بدون أن نجعله يُشكلنا ويغيرنا، هل نعيش الإيمان بطاعة الروح القدس أم أننا نتسرع في أحكامنا ونتهم الآخرين ونغلق الأبواب أمامهم ونعتبر أنفسنا ضحايا الجميع وكل شيء؟ هل نستقبل قوة الانسجام الخلاقة؟ وأضاف الأب الأقدس: إن كان العالم مقسمًا والكنيسة تشهد استقطابًا والقلوب مفتتة فلّا نضيعن الوقت في انتقاد الآخرين والغضب من أنفسنا، بل فلنطلب الروح القدس، فهو قادر على حل كل شيء.
وفي ختام عظته، أوكل البابا فرنسيس إلى الروح القدس، روح يسوع والآب، وينبوع التناغم الذي لا ينضب، العالم، ومكرسًا للروح القديسة الكنيسة وقلوبنا. ورفع الصلاة قائلاً: تعال أيها الروح الخالق، يا تناغم البشرية، وجدّد وجه الأرض. تعال يا عطية العطايا وانسجام الكنيسة واجعلنا متحدين فيك. تعال يا روح المغفرة، يا انسجام القلب، وغَيِّرنا كما تقدر أنت.