سمير اسطيفو شبلا
القوش معروفة اليوم على كل الاصعدة، كانوا اهل جنوب العراق خاصة عندما يسألونك : من أين أنت؟ تجاوب : من القوش؟ يستغرب أين تقع هذه المدينة او القرية! فكيف على الصعيد الاقليمي والدولي؟ اما اليوم فإن (امنا ومربيتنا – القوش) معروفة في معظم انحاء العالم قبل الداخل، كانت تُعرف خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر بـ “روما الثانية”! استناداً الى ما اجنبته هذه الارض المعطاة من عشرات البطاركة من عائلة أبونا (1318 – 1838) مروراً عندما أصبحت مقراً للبطريركية الشرقية (1504 – 1807) والبطريرك يوحنا سولاقا 1551 – 1555 والبطريرك يوحنان هرمز 1828 – 1838، والبطريرك يوسف اودو 1847 – 1878، والبطريرك الى البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني “تومكا”(رسم بطريركاً سنة 1900 – 1947 و البطريرك بولس شيخو الثاني (رسم بطريركاً 1958 – 1989! ومجموع البطاركة الذين انجبتهم القوش (14 بطريركأ!)، اما عدد الاساقفة (المطارين) خلال القرن الماضي فقط هو (15 مطراناً) وعدد الكهنة (40 كاهناً)، وحوالي 22 راهبة و 9 رهبان اما عدد الشمامسة فتجاوز الـ 85 شماساً رسمياً، (الارقام قريبة عن الواقع بنسبة 99 %) من هنا جاءت تسمية مدينة القوش (روما الثانية)، الا تستحق هذه القرية التي تقع في قلب الجبل وتعدادها تراوح بين 3000 نسمة – 6000 نسمة اليوم وانجبت هذا العدد الهائل من الاكليروس والرهبان والراهبات والشمامسة ان يقدم لها درع كنسي عالمي؟ نعم كونها الوحيدة ليس في منطقة الشرق الاوسط فقط بل في العالم التي انجبت هذا الكم من القادة الذين دافعوا عن ايمانهم وكنيستهم وابوا الى يومنا هذا ان يدخل بينهم جسم غريب
في نفس الوقت لُقِبَت بـ “يما دمثواثا” و ” موسكو الثانية”!
نعم (يما دمثواثا – ام المدن) منطلقين مما جاء اعلاه – يضاف العلماء وحاصلي على درجات عليا (البروفيسور2 ! الدكتواره 18 ! الماجستير 32 ! الاطباء 79 طبيب وطبيبة ! صيادلة 6 ! قضاة 2 ! محامون 21 ! مهندسون 229 ! محاسبون قانونيون 23 ! وعدد الاطفال الذين اقتبلوا العماذ 14336 طفل وطفلة (كانت هذه الارقام للفترة من 1900 لغاية 1999 -را/ الشماس يوسف شامايا في 11 – 7 – 05، وهناك كنيستين في القوش (مار كوركيس – مار قرداغ) وديرين (دير السيدة – الاسفل، ودير الران هرمزد – الاعلى في قلب الجبل) ومحاطة بعدة اكواخ صغيرة مبنية على اسم القديسين (مار شمعون – مار سهدونا – مار يوسف – مارت شموني – مار يوحنا – مار زديقا – ناحوم)!
وجاء اللقب (يما دمثواثا) أيضاً : لا نبالغ ان قلنا ان القوش تعتبر حامية (المسيحية) وملجأ لها، احتضنت القرية الحصينة بإيمان رجالها وحبهم للخير والحق والامان، السكان الهاربون من الاضطهاد العثماني والفارسي من 1843 – 1846 حملات بدر خان وهجومات عدة منها هجوم 1832، وفي عام 1915، وكان الموقف الرجولي التاريخي الذي لا ينسى ولا يمكن ان يتناسى بجرة قلم سنة 1933 سمي “فرمان الاثوريين” او مجزرة سميل، أصبحت القوش لهم درعاً بشرياً، وسوراً جغرافياً يحميهم من الابادة، عَرّضت القوش نفسها قيادة (البطريرك عمانوئيل الثاني وجهوده المتميزة في هذا الشأن) وشعباً الى الموت بالمدافع المنصوبة لهذا الغرض! (على ان ان تسلم اخوتها الاثوريين الهاربين من جحيم “سميل”) ولكنها أبت ان تخون دينها وقِيَمها وشهامتها ورجولتها وشجاعتها وقالوا الالاقشة بصوت واحد وقلب واحد “نموت معاً أو نحيا معاً” وهكذا كان النصر للحياة والحق! ويؤكد المرحوم الأسد (توما توماس) في مذكراته بقوله : كان في دارنا حوالي 20 عائلة آثورية هاربة افترشت سطح الدار وتقاسمنا الخبز، ولا يوجد بيت في القوش لم يفتح بابه للأخوة الاثوريين- انتهى الاقتباس” كما دافعت القوش عن شرفها في هجوم اليزيدية عام 1969
وكان قبلها قد تعرضت الى الاباحة من قبل النظام 1963 (الحرس القومي) مرتين! لماذا؟ لانها كانت تدعى موسكو الثانية! بسبب دخول الحزب الشيوعي والافكار الماركسية منذ بداية القرن العشرين، كانت عرين الأسود أمثال (ابو جوزيف – ابو عامل ومئات الابطال الذين ضحوا بحياتهم ومالهم وعوائلهم من اجل قضيتهم وكانت القوش بحدقات عيونهم وخاصة الاسد توما توماس الذي انقذ عرينه القوش من السقوط بايدي المجرمين، وكانوا اعضاء قيادة الحزب الشيوعي يمرون بها كمحطة امان في ترحالهم من والى كردستان والخارج، من هنا جاءت التسمية، ولكن الالاقشة باقون على رجولتهم وشهامتهم وغيرتهم وتضحياتهم من اجل الاخرين، وهكذا كان مع مدير ناحية القوش المحاصر، وكيف تمكنوا الالاقشة من انقاذ حياته مع عائلته ورفاقه البعثيين من الموت المحقق! فقد البسوه اللباس الخاص بالمنطقة واوصلوه الى الموصل بأمان، الالاقشة لا ينتظرون رد الجميل سوى طلب واحد هو : التكاتف والتلاحم والتعاون بين الجميع بحب غامر وقلب كبير! لنكون قلب واحد وصوت واحد للحفاظ على تاريخ وحضارة وقيم واخلاق هذه المدينة الحرة
في الحرب الايرانية العراقية 1980 – 1988 اعطت هذه القرية عشرات الشهداء حالها حال المدن والقصبات والقرى المسيحية والعراقية، مما ادى الى نزوح عدد كبير من اهاليها الى خارج البلدة والهجرة الى خارج العراق و اشتدت موجات الهجرة المنظمة خاصة بعد سقوط النظام السابق بعد آذار 2003، اعطت القوش لوحدها 28 شهيداً خلال الخمس سنوات الاخيرة، وتم رفع اسمائهم الى المنظمات الدولية وحقوق الانسان! وكان عدد المهاجرين والمهجرين المسيحيين حوالي 350 ألف نسمة اكثر من نصفهم عالقون في سوريا والاردن، واكثر من مليوني عراقي! محرومين من ابسط حقوقهم كبشر، وهذه مرت خمس سنوات واكثر على وعود الامم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والاتحاد الاوربي لحل اوضاعهم السيئة وظروف معيشتهم الصعبة جداً، وخاصة انهم معرضين للإبتزاز النفسي والفكري والجسدي ايضاً، وخاصة من ليس لهم معيل اسري او معونة خارجية! نعم يحتاجون الى اعمال وافعال وليس الى وعود واقوال متكررة!
القوش اليوم
هذا هو تاريخ القوش بشكل مركز، انه سفر مشرق من أسفار الحياة، من تاريخ كنيسة المشرق، انه بستان حقاً يحوي كل انواع الحنطة والرز والشعير والزوان حتماً، مع مجموعة من الورود والازهار ذو روائح متنوعة، تسقى بمياه جارية كما تجري الحياة، نعم هناك مياه راكدة مدودة وفيها طحالب، ولكن لا بأس بذلك، انها افرازات التاريح والحياة، المهم هو السير الى الامام وعدم المراوحة، او الرجوع الى الوراء لا سامح الله، نعم وجوب الحفاظ على هذا الارث الكبير والثري، بدون غرور نكرر انه لا توجد بلدة او قرية او قصبة في العالم وليس في العراق قد انجبت ارضها ورحمها عشرات ومئات البطاركة والاساقفة والكهنة والشمامسة والعلماء والمهندسين والاطباء والعمال والفلاحين،،،، نعم نكون ممنونين ان انبرى احدهم ونورنا بقرية في العالم تجمع كل هذا! منها الجمع بين (روما الثانية وموسكو الثانية ايضاً) اليس هذا غريباً على الاقل سياسياً وليس فكرياً وادبياً، والأغرب هو مساعدتها للغرباء الذين كانوا يتربصون لها، هذه كانت القوش الامس!
اما اليوم ها انها تحافظ على ارثها الثقيل بكل امانة، انها تخطو خطوات بثبات نحو الخير والحق والامان، من خلال سقيها لبستانها المتنوع والمتعدد بماء نقي! ليس غريباً عنكِ برنامج سوبر ستار1! ولا النشاطات الثقافية والادبية والفنية المتعددة والمتنوعة، وهذا هو المهم، نعم تحدث اختلافات في السياسة والفكر والموقف، ولكن يجمعنا حب الارض! والترابط بين النسيج الاجتماعي الثقافي التاريخي، تجمعنا القِيَم التي زرعت فينا منذ القديم، تجمعنا الغيرة الانسانية المسيحية التي أبت ان تططأ راسها امام المحن ومصائب الدهر، تجمعنا الامانة التي تحلينا بها، وها هي اليوم نظيفة وعامرة بألاقشتها الذي جاءوا الى امهم تحميهم من الغدر وتحضنهم في حضنها الدافئ، لا تعتبرهم انهم نازحون كما يتصور البعض! بل ان هذه الام التي انجبت هذا التاريخ الناصع لا تفرق بين اولادها وبناتها بالرغم من اختلافاتهم السياسية والفكرية والثقافية، ويكون هذا صحي وطبيعي جداً حين نعمل معاً كخلية نحل كل يعرف واجبه تجاه اخوته ومدينته وجيرانه وشعبه ووطنه والعالم
هذه كانت القوش الأمس واليوم، ومشكلة القوش انها مضطهدة من قبل الحكومات السابقة لمواقفها المبدئية والتزامها بروح أبائها وأجدادها العظام! وستبقى غداً رمزاً ومنارة وعلماً مع باق اخواتها وشقيقاتها ورفيقاتها وزميلاتها، ليشكلوا لوحة فنية حية تنطق بالحق والحياة، تضحي وتعمل من اجل الآخر والآخرين، مهما اختلفنا حزبياً وفكرياً وثقافياً! نبقى أخوة في الدم والدين والشرف والكرامة والقيم والاخلاق والمحبة
لنعمل جميعاً من اجل كرامة الشخص البشري أينما وجد