ايلاف/ كرملش: في كرملش وقره قوش والموصل في شمال العراق، كنائس مدمرة، ونفايات تجتاح الأزقة الضيقة، وآثار الحرب لا تزال ظاهرة بوضوح.. رغم ذلك، يؤكد رئيس أساقفة الكلدان في أبرشية الموصل وعقرة نجيب ميخائيل أن التحضيرات جارية لزيارة البابا التاريخية، وأن استقباله سيجري في “أجواء من الفرح”.
ورغم مرور ثلاث سنوات على طرد تنظيم الدولة الإسلامية من المنطقة، يحتفظ رئيس أساقفة الموصل بآثار من الجرائم الوحشية التي ارتكبها الجهاديون في كرملش بينها صليب مكسور عند برج أعلى كنيسة وأواني قداس وأيقونة متضررة… أدلة من أجل “تجاوز الماضي”، كما يقول ميخائيل لوكالة فرانس برس، عبر “التسامح لكن من دون نسيان” تلك الجرائم.
ويشير الى أنه تمكن من تهريب الكثير من الوثائق القديمة من التنظيم المتطرف الذي احتل المنطقة بين 2014 و2017، وحكم بالرعب، مستهدفا خصوصا الأقليات، الى إقليم كوردستان، مخاطرا أحيانا بحياته.
وتقع كرملش شرق مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى. وكانت الموصل على مدى قرون مركزاً تجارياً وثقافياً رئيسياً في الشرق الأوسط. وتحتضن نينوى الكثير من الكنائس والوجود المسيحي.
وخلفت المعارك التي امتدت لأشهر طويلة بين القوات الحكومية العراقية والجهاديين، مئات الضحايا ودفعت الآلاف للنزوح، وانتهت بإعلان السلطات العراقية القضاء على الجهاديين نهاية العام 2017.
ويقول رئيس أساقفة الموصل الذي لا تفارق وجهه الابتسامة، متحدثا من كنيسة كرملش، بأن جدول أعماله أصبح ضاغطا جدا منذ الإعلان عن الزيارة البابوية الأولى للعراق التي ستتم في آذار/مارس المقبل.
في كل المدن التي سيزورها البابا، الزعيم الروحي ل1,3 مليار كاثوليكي في العالم، تقوم جوقات التراتيل وفرق الكشافة بتدريبات منذ أسابيع، وينتظر الجميع لقاء خليفة القديس بطرس والاقتراب منه في كنائسهم.
ويتولى عدد من الكهنة ترجمة صلوات إلى الإيطالية والعربية واللاتينية والسريانية، لأن البابا سيحتفل في العراق بأول قداس له بحسب الطقوس الشرقية.
وشكّلت لجان حكومية وأخرى في محافظات مختلفة لمتابعة الاستعدادات اللوجستية ومراسم الزيارة.
ويرى ميخائيل (65 عاما) أن المهمة التي يقوم بها مع محيطه حساسة جداً خصوصا لأن أي مسؤول أجنبي حكومي لم يزر الموصل منذ أكثر من خمس سنوات.
ويقول رجل الدين الذي يضع قبعة بنفسجية ويرتدي ثوبا أسود بأطراف حمراء “نواجه ضغطا هائلا… الأب الأقدس ليس كأي شخصية، إنه يمثل دولة وكاثوليك العالم”.
وسيتنقل البابا (85 عاما) بسيارة مكشوفة في بلد لم يستقر فيه الأمن منذ سنوات.
ويصف ميخائيل التحضيرات ب”المهمة صعبة. الكل سيحاول الاقتراب من البابا… ويجب الاهتمام بالتنقلات والزي الرسمي وكتابة البيانات بدقة تامة والدعوات…”.
ويشير الى عدم وجود ملعب رياضي مناسب أو كاتدرائية لإقامة قداس بابوي في محافظة نينوى التي ولد فيها، مشيرا الى أن هناك “14 كنيسة مدمرة ، سبع منها تعود للقرون الخامس والسادس والسابع”.
بين هذه الكنائس، كاتدرائية مسكنته، وهو اسم مسيحية شهيدة في القرون الأولى، وكان رئيس أساقفة الموصل يرتادها برفقة أهله في صغره… تغطيها اليوم حجارة وركام. أما كنيسة القديس شمعون الصفا (القديس بطرس) فمليئة بأكياس قمامة.
وفي بلد لا تزال فيه خلايا جهادية مجهول مكانها، يرى ميخائيل الذي يحمل شهادة هندسة في التنقيب عن النفط قبل أن يقرر اعتناق الكهنوت، أن “كل مسؤول أمني سيكون بحالة توتر” خلال زيارة البابا.
أما هو، فستكون هذه المرة الثانية التي يلتقي بها البابا فرنسيس، إذ سبق له أن التقاه في روما.
ويؤكد ميخائيل أن زيارة البابا التي من المقرر أن تستمر ثلاثة أيام “مهمة جداً لجميع العراقيين”، مشيرا الى أن “هذا البلد كفسيفساء رائعة متعددة الألوان ومتكاملة، لهذا لا يمكن أن يُجزأ الى أجزاء طائفية للأسف (كما) يحدث اليوم”.
ويؤمن رئيس أساقفة الموصل بأن البابا فرنسيس قادر على إعادة نسج هذه الروابط، خصوصا في شمال البلاد حيث تتواجد عشرات الأقليات، عبر “كلمات قوية” تعبر عن “مباركته” و”دعمه المعنوي”، مؤكدا بأن ذلك ممكن لأن هناك “تغيرا في العقليات” داخل المجتمع حيث لا تزال الخلافات بين المجموعات الدينية والعرقية قائمة.
ومن المقرر أن يزور البابا مدينة أور الأثرية حيث ولد النبي إبراهيم، في جنوب العراق، ليؤدي صلاة مشتركة إلى جانب مسلمين ويزيديين وصابئة، الديانتين اللتين ظهرتا في العراق قبل المسيحية بزمن طويل.
لكن “الأمر الأهم”، بالنسبة الى رئيس أساقفة الموصل، هو “زرع الفرح في قلوب كل الناس، لأن هذه الزيارة ليست بروتوكولية، إنها روحية”.