الشاعر الشعبي متي ابونا

Khoranat alqosh30 يونيو 2017777 مشاهدةآخر تحديث :
الشاعر الشعبي متي ابونا

بقلم : نبيل يونس دمان
رجل غني عن التعريف بمواهبه المتعددة ، وبانتمائه الى احدى اعرق عوائل القوش في الالف سنة الاخيرة، أسرة ابونا ( بيت عمون ) الذائعة الصيت ، وهو ابن سليمان متي جونا القس بطرس ﮔوريال ( اخ البطريرك يوحنا هرمز) .
معروف للجميع قدم بيت ابونا ، فقد تركوا موطنهم الاصلي حلب في عام 1150 الى بغداد ثم الى قرية ( تلخش ) خلف جبل القوش ، حتى استقر بهم المطاف في البلدة القديمة امام ذلك الجبل الاشم ، وقام من بينهم سلسلة مار ايليا لبطاركة كنيسة المشرق ، ابتداء ً من عام 1318 في شخص مار طيماثيوس الثاني ، وانتهاء ً في عام 1838 في شخص مار يوحنان هرمز . في اعالي ( بيث نهرين ) استقر احد ابناء ذلك البيت واسمه دنحا ، في قرية ( قوجانوس ) بمنطقة حكاري ، وفي عام 1692 أختير ولده بطريركا هناك ، تحت اسم مار شمعون دنحا ، وتسلسل البطاركة الشمعونيون من ذلك الفرع ، حتى مار شمعون أيشاي الذي اغتيل في كالفورنيا باميركا عام 1974 .

تعلم متي ابونا الكتاب المقدس على يد الشماس الساعور سليمان عيسى مقدسي ( 1884- 1967 ) ، ونبغ في وضع القصائد الشعبية ، وحفظها على ظهر قلبه . لم يدخل المدارس ولم يتعلم صناعة الشعر من الكتب ، بل كان حاصودا ً جيدا ً في المواسم ، يحرك مشاعره ايقاع منجله ، وهو يجني السنابل المثقلة بالحبوب ، وكذلك سيره في نسق ( بكرة ) مع اصحابه ، لتليهم النسوة جامعات المحصول . وهو ايضا عامل في مواسم البناء ، ادواته عبارة عن صحن كبير لخلط الجص بالماء ، ولوح من عظم الكتف ، ومقعد ذو وسادة صلبة من القش او التبن ، يقابله في معظم الاحيان شقيقه الملقب كجو . تلك الادوات مع حركة العمال الآخرين ، مثل ناقلي الماء و الحجر والجص ، او حركة البنـّاء الفنية ، المصحوبة بترنيماته في تناول الجص المعمول بشكل ملائم ، ليرص الاحجار ويرتفع البناء ، ثم يليه السقف النصف كروي او البيضوي . تلك الاشياء كانت تلهم شاعرنا ليرتب من الكلمات المختارة ، اجمل الاشعار التي تتغنى بالناس ، وتعبر عن حركتهم الاجتماعية ، ضمن الزمن المحدد .
لم يصلني من انتاجه سوى القليل ، ومن اشهر قصائده ، عين السقا ( أينه دسقـّا او عين زقيا ) المكونة من سبعين بيتا ً تقريبا ً ، كتبها عام 1930 ، وتدور احداثها حول البحث برغبة جامحة ، عن نبع للماء ردم في ايام حملة طهماسب الفارسي على القوش عام 1742 ، فقد قتل رجاله الفتاة الجميلة ( شيلوكي من بيت شكوانا ) وهي تعُبّ الماء ، بسبب رفضها مطاليبهم القذرة ، قيل فيها شعر جميل مطلعه :

شيلوكي دْبْي شِكوانا ………. كْرَخشا وْخـّيرا بـِگيانا …….. ما كْشاكِلاّ ﮔردانــا

نظرا لسني الجفاف التي تجتاح المنطقة بين زمن وآخر ، اندفع الناس الذين تتغنى القصيدة بهم ، وبحكمتهم ، وصبرهم ، وتحملهم ، نحو احياء ذلك المشروع ، ولايجاد مصدر للماء يرتوون منه . اليكم مطلع تلك القصيدة الخالدة ، وعدد من الابيات المختارة مكتوبة بخط الگرشوني :

ﮔو ألپا وتشائِمــــــــَّـــه طلاثي خِنّي رّيشي
أويرن ﮔو شاتـَه خـَثتـَه خوشابا معيودَيـي

پساحَة قِملي تري مَلـّي كِم جَغشيلَه مَحلـّي
قاشا چُكا كــَثـــــــــــاوَه إمـِّح بَحّو برد دلـّي
هناك شخص ضعيف البنية ، غير متكامل صحيا ً، اسمه ميخا كلو ، مزج شاعرنا ابونا كل القصص الواقعية والخيالية ، في إثارة الجمهور وجلب انتباههم الى ذلك المسكين ، فكانت ملحمته الشعرية عام 1934 بعنوان ( ميخا برد ﮔلو ) وهي مكونة من قرابة المئة بيت ، اليكم مطلعها وعدد من الابيات المختارة :

ميخا بـِرد ﮔلـّو كـَكِّح شَذايـــــَـه مزدوثِه دْيـِمِّحْ مْدُشِنـّهِ پخايــــــَــه
شروالِح لروشِح سِقلي لْطـَپايَه أن زالٍه لبيثـَه پْقـَطلالِه مْخايـــــَـه

پلِخوالي طالـُخ أصرَه يوماثــَــه بليلي ﮔنـْو ِنـْوَه مايـِه مْبيراثــــــَــه
أمراوَه سْوتي وتراوَثني بْناثــَه بْضابـِطله حَقـّوخ سي پلوخ مّاثــَــه
ما ضْبطلي مٍنُّخ أقردْ برْد عويَه مْبَدل مَخولوخ مَيانـَه وقويــــــَــــه
مَشتِنوا طالُخ مندو كـَهويـــــــه هوياوَه طْرحتوخ ولا هاوتوا هويَه

للمترجم له قصيدة رائعة كتبها في محنة الآشوريين بني جلدته عام 1933 ، عندما صدر بحقهم مرسوم الابادة ( فرمان ) ايام الملك غازي ، وشهدت القوش موجة هجرة من العوائل الهاربة من السيف المسلط على رقابها ، ومن القرى المنتشرة في الجبال والوديان ، وتتوجت تلك الحملة في مجزرة 7 آب 1933 عنما خدع اكثر من ثلثمائة رجل بتسليم اسلحتهم في قرية سميل – نوهدرا وجرى قتلهم ببشاعة فسالت دماءهم الزكية في شوارعها. في تلك المحنة عبر شاعرنا الجليل عن عميق عطفه بل تاثره وألمه في ما حل بابناء جلدته ، وربط ذلك بالتغني بشجاعة من قاوم منهم ببسالة امثال البطل ﮔلياث شماشه كنو الساكن في قرية ماكنن جنوب شرق القوش . احيط ﮔلياث بالمسلحين وهم ينوون استباحة القرية ونهب اموالها وسبي حريمها ، لكنه لم يذعن او يستسلم لهم ، بل صعد الى قلعة ماكنن وقاتل المهاجمين قتالا قـلّ مثيله ، وعندما اشرف عتاده ( جبّخانه ) على النفاذ ، تسلل في جنح الليل من بين صفوف الاعداء وهو يمتطي حصانه الاصيل ، ليصل البلدة القوش التي زودته بالعتاد والسلاح الاضافي ، وليستمر في المقاومة اياما ً اخرى ، لكن اعدائه ورغم خسائرهم الجسيمة فقد تكالبوا عليه ، ولم يبق امامه سوى الانسحاب الى القوش دون خسائر في الارواح ، بعدها بفترة عبر الحدود الى سوريا ليستقر فيها وحتى مماته . يطيب لي لن اكتب قليلا ً عن تلك العائلة ، فوالدهم شماشا كنو ( واصله من جيلو في حكاري – تركيا ) توفي في ماكنان عام 1947 ، واولاده هم ﮔلياث وله ولد اسمه اسخريا يعيش حاليا في مدينة ماديستا – كالفورنيا ، داود وله حاليا ولد في ماديستا ، شموئيل ، يوئيل وله ولدان في ماديستا ، احدهم إسمه جان .

اليكم مطلع القصيدة وعدد مختار من الابيات :

شاتـَه دِطلاثي وطلاثــَـــه مْپقلي خا أمِر خاثــَــه
قطلي يال زوري وبناثــَه شميلي كُلـّي دولاثــَـه

لََث ﮔليَث محَصره پقصرَه قطِلوالي أمّه وأصــرَه
ﮔليث كوفيّه طـــــــــــورَه بگديشه طبيله نــــورَه

خلصواله جَبلخانـــــــــَـــه ركولي لسوسِح شَمانه
لألقوش مطيلي بعدّانــــــه تـَشقاله جَبلخانــــَـــــه

ﮔليَث مْپقله مِنداخــــــَـــــه خيري بدَشتـَه برثاخـَه
ﮔاوَحْ مپلّه خْملاخـــــــَـــه وداويذ إلِّحْ بِصْراخـَــه

زفيره يومَه لعاصِرتـــَــــه ثيلي مدير ِ شرطــــَــه
أمِّح عَسكر كـَبرتــــــَـــــه دآريوالِه أو قـُرتــــَـــه


نظرا لتناول الشاعر متي ابونا الوسط الالقوشي في اشعاره ، وفي تفاصيله الاجتماعية والشعبية الدقيقة ، لذلك اثارت مشاعره وجلبت انتباهه ، فحفظها باعتزاز جيل بعد جيل وعلى مدى السبعين عاما ً الاخيرة . يشهد الجميع علو مقامه في هذا المجال ، وكل ذلك لم يسعفه من استهداف ملطف في اشعارهم الجوابية .
كان متي ابونا ويلقبه بعض محبيه ايضا ( متـّيَه ) يحير معلمي المدارس في طرحه للكثير من المسائل الرياضية الصعبة والحزورات ، ويمهلهم اياما ً ليأتوا بحلولهم ، وغالبا ً ما يصلوا الى الطريق المسدود ، هنا يتفضل بالحل الصائب في مرحه وخفة دمه ، وكان يقصده الكثيرون لذلك الهدف من البلدة ومن خارجها خصوصا من : الموصل ، بغداد ، الحبانية ، والقرى المجاورة . وكان ايضا ً مؤتمنا ً في ذرع الحقول الزراعية ، والتي غالبا ً ما يكون محيطها غير منتظم او موضع خلاف ، على المساحين ان يقدروا دقة عمله في ذلك المجال ، وهو دليل صدقه وامانته .
لم يقتصر شاعرنا على نظم الشعر فحسب ، بل كان روائيا ً ( حكواتي ) وملما ً بالتاريخ ، ومتحدثا ً وفق مقاييس زمانه وبيئته ووسطه ، يمتع جلسائه باحاديثه فيتحلق الاصدقاء حوله ، بعد عودته من العمل ايام الحصاد وفي الاعياد . كان يحس في اعماق نفسه بانه منحدر من اسرة لها جذور عميقة في الفكر والابداع ، ذلك ما يحفزه ان ينجز وما اروع ما انجزه !
معلوم للجميع بان تلك الاسرة اذا رجعنا اليها مرة اخرى ، اي بيت ابونا ، فقد برز منهم حتى يومنا هذا ، شخصيات ذوو مواهب متنوعة اضافة الى اعلى الرتب الكنسية
، وقد اشتهر منهم :
القس الياس الذي وصل الى اميركا سائحا ً عام 1668 ، وبقي يتجول فيها حتى عام 1683 . عندما تواجد في مدينة ليما عاصمة بيرو بأمريكا اللاتينية كتب ما يلي ( طلبوا مني ان اقدس فارسلت واحضرت آلة القداس ، فقدست لهم قداسا باللسان الكلداني يعني السرياني الشرقي فصار عندهم انشراح زايد لاستماع قداسي ) . وفي مكان آخر يكتب ما يلي ( هنود تلك البلاد ليس لهم ذقون بل بعض شعرات ثابتة في حنكهم . وانا لاجل اني كنت كامل اللحية فكانوا يتعجبون مني قائلين ، اني ذو شجاعة شديدة بحيث جزت تلك البلاد ) . المصدر : كتاب اول سائح عربي يصل الامريكتين ، اخراج ابتهاج عمر الراضي .
المطران مار ايليا الذي لعب دورا مهما في الكوت و قوجانس واورميا وعقرة وغيرهما.
حنيكا زكور الشماس الحكيم ، والكاتب والمترجم في زمانه .
ايسفا ابونا الخطاط والمتكلم اللبق الذي يجيد ، اللغات الفارسية والعربية والتركية والكردية ، قراءة وكتابة .
بكو ابونا الفكِه الشعبي في القوش وتلكيف ، وقد ذهب اسمه مثلا ً ليقولوا ( عواذه دبكـّو ) .
ياقو ابونا الضابط في الجيش الليفي برتبة ( رب تري أمـّه ) اي ما يعادل آمر فوج. د. جورج ابونا الطبيب الجراح ، والمشهور عالميا ً .
صبحي ابونا الذي اجاد في قراءة وتطبيق كتيبات السحر المثيرة .
موسى حبيب ابونا الاديب والمطبعي ، ومترجم كتاب اقتصادي لكارل ماركس ، من الانكليزية الى العربية في الثلاثينات .
صباح عيسى ابونا الجيولوجي ، الذي اسهم في اكتشاف احد حقول النفط في الرميلة .
يلدا ( بدو ) ابونا الشماس والشاعر الضليع في اللغة السريانية .
أوﮔر ابونا السياسي في فترة الستينات .
هرمز موسى ابونا الكاتب والمؤرخ المعروف .
عاش شاعرنا الزاجل متي ابونا المولود في القوش عام 1903 ، عمرا طويلا ( قرابة المئة عام ) محافظا على ذاكرته ، رغم اصابته بالعمى في السنين الاخيرة من حياته ، التي اختتمها في مسقط رأسه ، في يوم الاثنين المصادف 1- 6- 2001 ، هكذا مات الرجل مكفوفا ً ، وقد ترك ذرية صالحة من الاولاد والاحفاد . يحدوني الامل ان يصدر يوما ديوان شعره الذي وضع عنوانه بنفسه وهو ( ديوان البنــّة ) . قبل وفاته بعدة سنوات ( 1995 ) كتب مدراشا باللغة السريانية يصلح ان يكون شاهدة على قبره ، وكما اقترحها الصديق الكاتب ادمون سليمان لاسو.

مَريَه مْشيحا ﭙاروقه مَتي مَرمِتي ﮔو ديوَن نـّرسي تامَه دارتــّـــي
ﮔورﮔيس وَرده آيت مْزمرتــــّـــي أيشوع مْخلصانه آيت مخلصتي

nabeeldamman@hotmail.com

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليق واحد
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
  • دكتور خوشابا ياقو ابونا
    دكتور خوشابا ياقو ابونا 28 يناير 2024 - 6:18

    كان والدي ياقو ابوناضابط برتبة رب تريما اي قائد المئتين في الجيش الليفي في الحبانية وكان قائد قوات الجيش الليفي رب خيله زيا من عشيرة اشيته الاشورية وبقي والدي في الجيش الليفي الى ان تم الغائه في اواخر الخمسينات من القرن الماضي وقد منح على انواط شجاعة كثيرة اخره [MBE[Member of British Empire .كان الوالد متزوج من امراة اشورية من عائلة مار شمعون الاشورية وله ثلات اولاد وثلات بنات حاوة سركون جوليت كاترين د٠خوشابا كاتب التعليق ود٠يوحنا٠ توفي والدي الله يرحمه في الثمانينات من القرن الماضي

عاجل!