في الذكرى السابعة لغزو داعش:
وقفة أمل أمام ذاكرة جريحة ومخاوف المسيحيين والاقليات
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
تمر في هذه الايام الذكرى السابعة على احتلال عصابات داعش، تحت اسم ” تنظيم الدولة الاسلامية” لمدينة الموصل وبلدات سهل نينوى، وتهجير المسيحيين منها. وبعد سنوات من زوال هذا الكابوس، بهمة العراقيين وعون المجتمع الدولي، لا يزال المسيحيون يستعيدون هذه الذكرى بألم ومرارة. وهذا استقراء لواقع الحال، يظهر مخاوف الاقليات وينشد أمل التمسك بالأرض والجذور.
ففي الوقت عينه، يواجه المسيحيون، هاجس الخوف والقلق تجاه المستقبل خصوصا امام مؤشرات مريبة: محاولات تغيير ديمغرافي لمناطقهم، عجز الحكومات المتعاقبة بالرغم من امتلاكها المال، في معالجة خراب البنى التحتية لبلداتهم: من الكنائس والمدارس والمنازل والاملاك والبطالة، وتوفير ابسط مسلتزمات معيشتهم. ولولا الكنيسة التي قامت بمرافقتهم في تشريدهم ماديا وانسانيا وروحيا، وعمرت بيوتهم، وساعدتهم على عدم فقدان الامل بالمستقبل، لما بقي أحد منهم في العراق. لذا ونحن في الذكرى السابعة لنكبتهم ونكبة الايزيديين والاقليات الاخرى، نطالب الحكومة الموقرة ان تنظر بجدية إذا كانت تريد حقاً بقاء المسيحيين والاقليات الاخرى في العراق بالافعال وليس بالخطابات، واستعادة حقوقهم وممتلكاتهم، لان إذا ظلَّ الوضع على ما هو عليه فمستقبلهم نحو الهجرة.
هذه بعض افكار تدعم بقاء العراقيين وبخاصة الاقليات وتواصلهم في أرضهم، ارض المحبة والاخاء والفيسفساء الجميل والعيش المشترك:
- ارساء مفهوم الدولة الحقيقية والقوية ( الدولة الضعيفة لا تخدم أحداً)، لذا يقتضي وثبة ضمير تستجيب للحراك الشعبي، وتمنح الدولة ما تستحقه من مكانة داخلية وعالمية، وتتميز بجملة ثوابت: الالتزام بالقانون، احترام المال العام، تطوير مؤسسات الدولة، العمل الجاد لجهة رفاهية الشعب، واصلاح مسؤول لكل ما فعله بعض السياسيين من قوانين وتفسيرات على مقاس رغباتهم ومصالحهم. ومفهوم الدولة هذا يتمخض عنه جملة محاوار نذكر منها:
- العمل على تأسيس دولة مدنية، دولة المواطنة، تطبق القانون على الجميع بدون استثناء، واحترام كل مواطن كما يستحق، دون النظر الى دينه وعرقه، بل كونه فقط مواطنا عراقيا. وهذا كعلاج جذري للتراجع الذي حصل في القيم، عبر المؤسسات الرسمية والمدنية التربوية والثقافية والاعلامية ومنابر المساجد والكنائس.
- جمع السلاح مقابل تعويض مالي منصف، والعمل لبناء جيش قوي وقوى امنية تحت قيادة موحدة، ولاؤها للعراق والعراقيين وهذا هو التحديّ الاكبر.
- قوة العدالة لمحاسبة الفاسدين مهما كانت درجاتهم، ومطالبتهم باسترجاع المال العام مع ضمان عدم محاكمتهم كما يحصل حاليا في تونس!
- اعتبار الدين، كل الاديان مسألة خاصة بين الانسان وربه، مع الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية وامان. اعتبار يقرّ بأن هناك امور عقائدية ثابتة في الاديان، إزاء امور اجتماعية يتحتم على المرجعيات الدينية تجديدها واصلاحها لتتلاءم مع الزمن الحاضر، ولا تفرض مترتباتهم على عموم المواطنين.
- مواجهة التطرف والإرهاب، بمنع خطابات الكراهية و تجريم ومحاسبة من يتبناها ويروج لها، وتجديد مناهج التربية ونشر ثقافة الحرية، والعقل والتنوير، والاختلاف، عبر عمل ميدانى على أرض الواقع.
أخيرًا وليس آخرا، إني كبطريرك على الكنيسة الكلدانية، في العراق والعالم، متعاضدا مع تطلعات سائر الكنائس في العراق، وبصفتي كردينالا في الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، اؤكد اني لا أكتفي بالمناشدات محليا، بل أبلغ صوتي عبر المنابر العالمية، أسوة بأصوات معروفة في ظروف مماثلة.
حفظ الله عراقنا والعالم بسلام وأمان وعدالة.