رحيل المربي الفاضل المعلم حبيب يونس متي كردي (القوش1936-2019)

Khoranat alqosh6 نوفمبر 2019820 مشاهدةآخر تحديث :
رحيل المربي الفاضل المعلم حبيب يونس متي كردي (القوش1936-2019)

عماد رمو/ هولندا 6 نوفمبر 2019
قبل ايام قليلة انطفأ نور شمعة انسانية وهاجة ظلت تضيء درب اجيال عديدة بما قدمته لهم من علم وتفان واخلاص. قبل ايام سقطت ورقة خضراء من شجرة انسانية مثمرة ظلت تهب عطائها للاخرين لعقود طويلة. في 6 نوفمبر 2019 ودعت القوش معلم ومربي لابنائها سوف تتذكره الاجيال القادمة بما امتلك من صفات انسانية رائعة قلما تجدها في انسان واحد اليوم. في هذا اليوم تعطرت تربة الاجداد بجثمانك يا ابا رعد، فكم يتمنى الكثيرون ذلك وهم في الشتات، ولكنك فضلت القوش على الدنيا باكملها. لم يتحمل جسمك الضعيف قوة وبشاعة ظلم هذه الايام فلم ترض الا بوداعها وانت شامخ ليس بما وهبتك الدنيا، ولكن بما وهبت انت الدنيا من محبة وتضحية واخلاص. انك من ذلك الجيل الذي بنى العراق مع اقرانه الاخرين، وها انت ترى ماذا حدث بعراقنايا ابو رعد بعد ان استلمه الاوغاد فحطموا كل ما بنيته من اخلاق وعلم وادب في طلابك واصبحنا اليوم نبكي على تلك الايام التي كُنتَ تنهض صباحا وانت مفعم بحب العمل والاخلاص من اجل الاخرين. لقد حملت مباديء انسانية راقية في معناها واهدافها وعلَّمت الاخرين وعلى صدرك علقت اشارة هذه المباديء ولم تتخلى عنها في اصعب الظروف التي واجهتك وما اكثرها.
في القوش، وبالذات في محلة سينا كان هناك ثلاثة اصدقاء. ثلاثة اصدقاء تربوا وكبروا ودرسوا وعملوا وهم دائما جنبا الى جنب. لقد علَّموا في مدراس مختلفة ولكن بعد العمل يجتمعون معا ويتسامرون معا ويذهبون للسوق والبيادر والكنيسة معا. الكثير منا عاصر هؤلاء الاصدقاء الثلاثة. انهم المرحوم حبيب كردي (ابو رعد) والعم المعلم حنا هرمز (ابو منهل) ووالدي داويذ يوسف رمو (ابو عامل). هؤلاء الاصدقاء الثلاثة كانوا بمثابة المثلث الانساني متساوي القيم والمباديء، والكل يعلم بان المثلث هو ليس فقط من اقوى الاشكال الهندسية، ولكنه ايضا من اقوى روابط الصداقة ابدأ. اذا تحرك اي صديق في اتجاه فان الاخرين يتجهان في نفس الاتجاه، وهكذا كانت ايضا صداقتهم هؤلاء الناس.

قبل ايام ودع المربي الفاضل والمعلم والانسان والصديق بلدته واهله ومحبيه وصديقيه فاختل توازن معادلة هؤلاء الاصدقاء، ولكن وكما ذكر والدي قبل قليل لي في مكالمة تلفونية فان المرحوم والصديق حبيب (ابو رعد) سبقهم في وداعه لهم من دون ان يكون لهم علم بذلك.
والدي يعرف كل تفاصيل حياة المرحوم حبيب كردي، ليس لانه صديقه فقط ولكن لانه من اقرب الناس اليه ايضا. جدة المرحوم حبيب كردي، المرحومة ملي يقندا (اخت المرحوم سلو يقندا) كانت زوجة عم المرحوم جدي كبو جردو رمو. المرحومان منصور رمو (جد المرحوم حبيب كردي من جهة امه) وجدي لوالدي المرحوم جردو رمو كانوا اخوة في الحياة والنسب. ولكن العم منصور رمو مات وهو شاب وخلف ورائه المرحومة سرة (ام المرحوم حبيب كردي) والمرحوم دخو، والذي مات وهو طفل صغير فبكاه جدي المرحوم كبو طويلا لانه كان يريده ان يعملا سوية في الحقل ومع الاغنام. ولكن لم يحقق الله امنية جديكبو حينها ولكن حقق امنية والدي داويذ حيث اصبح له اخ ثان قريب اليه في كل شيء، في انسانيته واخلاقه وعلمه وفنه وطموحاته ورؤيته للحياة والانسانية، وكلاهما مشيا في نفس الطريق جنبا الى جنب الى وان ودع المرحوم حبيب كردي الحياة، وفيها انتهت مسيرته هنا على الارض، ولكن تركت لنا جميعا اثارها الجليلة في الاجيال المتعاقبة.
ومنذ صغره احب المرحوم حبيب كردي التفاني والاخلاص في كل ما كان يقوم به. لقد انهى دراسته الابتدائية في القوش، ولعدم وجود ثانوية حينها انتظر سنتين الى ان سنحت له الظروف الى دراسة الاعدادية في الموصل حيث كانت قد رافقته جدته المرحومة ملي يقندا وقدمت له الكثير حينها. لقد احب الدراسة واخلص فيها ونجح من دورة المعلمين بتفوق ولهذا تم تعيينه في البداية في محافظة كركوك ثم في قرية شيخكا واخيرا في ابتدائية القوش الاولى ولغاية تقاعده في منتصف الثمانينات. لقد تكفل في البداية المرحوم حبيب كردي بوالديه وجميع اخوته الى ان تمكن كل منهم من شق طريقه. لم يكن يعرف المرحوم حبيب كردي سوى العمل ومن ثم العمل.
يقول والدي عن صفات العم المرحوم حبيب كردي بانه كان يحب العدالة دوما، وكان يتكلم من دون رتوش، لم يكن يحب التملق والرياء ابدا، لا بل الانصاف لذا لم يكن بامكان اي من كان من الفوز بصداقته، الكثير من الناس لم يتعرفوا على معدن ونقاء وصفاء المرحوم حبيب كردي. كان متوازنا في كل شيء، في كل خطوة من خطوات حياته، ومسيرته وتضحياته في الحياة، لم يترك اية شائبة في صفحات كتابه الناصع. لقد كان من افضل معلمي القوش واجاد في مهنته وتفوق في عمله ولم يستعمل العنف في تعليمه ابدا. لقد احب المرحوم الحياة كما هي ولم يكن يطمح بمادياتها ولم يلهث ورائها ابدا. الايام القادمة ستظهر لنا كم هو الفراغ الكبير الذي سيتركه هنا المرحوم على الارض بعد ان ودعنا في امان. لقد كانت محبة العم ابو رعد كبيرة عندي دائما، كلما كنت ازور القوش كان ياتي هو ومع الاخت العزيزة ليلي اوراها القس يونان (ام رعد) للسلام علينا وكم كانت احاديثه شيقة ومتوازنة وكم كان يحترم هذا الانسان مجاليسه، فكرم اخلاقه وهدوئه كان يضيف لتلك الجلسات رونقا اخر. لا اعتقد بان الايام القادمة ستنجب لنا الحياة اناس بما اتصفت به شخصية هذا المربي الفاضل.
في النهاية يقول والدي: حتى لو لم يكن المرحوم محظوظا دائما في حياته الارضية ولكنه فاز بنعمتين: الاولى انه ودع الحياة في القوش وستتعطر تربتها بجثمانه الطاهر والنعمة الثانية انه سيصلي من اجلنا في السماء للاشقياء على هذه الارض وخاصة شعبنا الذي يضحي من اجل ان يكون له وطن، هذا الوطن الذي ضحيت من اجله واخلصت له وتفانيت من اجل خدمته.
هكذا انطفأت شمعة معلم من بلدتي ولكن ضيائها لم ينطفأ.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل!