الفاتيكان ـ قال البابا فرنسيس متسائلا: كم من المشقّة ينبغي أن تكون وراء نظام صحة يشمل الجميع حقًا؟
ولمناسبة الذكرى الستين لافتتاح كلية الطب والجراحة في جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية ترأس البابا صباح الجمعة قداساً إلهياً في مقر الجامعة بروما، حيث ألقى عظة قال فيها: بينما نحتفل بامتنان لهذه العطيّة، أود أن أشارككم بعض الأفكار حول اسم الجامعة.
وتابع البابا: “إنها مكرسة لقلب يسوع الأقدس، والذي يُكرَّس له هذا اليوم، أول جمعة من الشهر”. مبيناً أنه “من خلال التأمل في قلب المسيح، يمكننا أن نسمح بأن تقودنا كلمات ثلاث: التذكر، والشغف، والتعزية.
ووفقاً لإذاعة الفاتيكان، تابع الأب الأقدس يقول أولاً التذكر. إنَّ التذكر يعني “العودة بواسطة القلب”. الى ماذا يعيدنا قلب يسوع؟ إلى ما فعله من أجلنا: إنَّ قلب المسيح يظهر لنا يسوع الذي يهب نفسه: إنه خلاصة رحمته. بالنظر إليه – كما يفعل يوحنا في الإنجيل، من الطبيعي أن نتذكر أن صلاحه المجاني وغير المشروط لا يعتمد على أعمالنا. بدون ذاكرة تضيع الجذور وبدون جذور لا ننمو. سيفيدنا أن نغذي ذكرى الذين أحبونا واعتنوا بنا وعزّونا.
أود اليوم أن أجدد “شكري” على الرعاية والمودة اللتين تلقيتهما هنا. أعتقد أنه في زمن الوباء هذا، سيفيدنا أن نتذكر أيضًا الفترات التي تألّمنا فيها لا لكي نُحزن أنفسنا وإنما لكي لا ننسى، ولكي نوجّه أنفسنا في خياراتنا في ضوء ماضٍ قريب جدًا.
أضاف الحبر الأعظم يقول لكن كيف تعمل ذاكرتنا؟ لكي نُبسِّط الأمر، يمكننا القول إننا نتذكر شخصًا ما أو شيئًا ما عندما يلمس قلبنا، عندما يكون مرتبطًا بمودة معينة أو نقص في المودة. وبالتالي فإنَّ قلب يسوع يشفي ذاكرتنا لأنه يعيدها إلى المودة الاساسيّة ويثبّتها على أساس أكثر صلابة. ويذكرنا أننا محبوبون بغض النظر عما يحدث لنا في حياتنا. نعم، نحن كائنات محبوبة، أبناء يحبهم الآب على الدوام وفي جميع الأحوال، إخوة ينبض قلب المسيح من أجلهم.
لنعزّز هذه الذكرى، التي تتقوى عندما نكون مع الرب وجهاً لوجه، ولاسيما عندما نسمح له أن ينظر إلينا ويحبنا. لكن يمكننا أيضًا أن نعزّز فن الذكرى فيما بيننا، إذ نكتنز الوجوه التي نلتقي بها. سيفيدنا، في المساء، أن نستعيد الوجوه التي التقينا بها، والابتسامات التي نلناها، والكلمات الطيبة. إنها ذكريات حب وتساعد ذاكرتنا على إيجاد نفسها. كم هي مهمّة هذه الذكريات في المستشفيات! يمكنها أن تعطي معنى ليوم المريض. كلمة أخوية، ابتسامة، لمسة على الوجه: إنها ذكريات تشفي من الداخل، وتفيد القلب. فلا ننسينَّ إذًا علاج الذاكرة!
تابع الأب الأقدس يقول الشغف هو الكلمة الثانية. إن قلب المسيح ليس عبادة تقويّة لكي نشعر بقليل من الدفء في داخلنا، كما أنه ليس صورة رقيقة تحرّك عواطفنا. إنه قلب شغوف، مجروح بالحب، طُعن لأجلنا على الصليب. لقد سمعنا كيف يتكلم الإنجيل عن ذلك: “لكِنَّ واحِداً مِنَ الجُنودِ طَعَنه بِحَربَةٍ في جَنبِه، فخرَجَ لِوَقتِه دَمٌ وماء”. إنَّ القلب الأقدس هو أيقونة الشغف: هو يُظهر لنا حنان الله العميق، وشغفه المحبّ لنا، وفي الوقت عينه، إذ يعلوه الصليب وتحيط به الأشواك، يُظهر لنا مقدار الألم الذي كلّفه خلاصنا. في الحنان والألم، يكشف لنا ذلك القلب باختصار ما هو شغف الله: الإنسان. ماذا يقترح علينا ذلك؟ إذا أردنا حقًا أن نحب الله، علينا أن نكون شغوفين بالإنسان، وبكل إنسان، ولاسيما بالذي يعيش في الحالة التي ظهر فيها قلب يسوع: الألم، والهجر، والتهميش. عندما نخدم المتألمين نحن نعزّي ونفرح قلب المسيح. هناك مقطع من الإنجيل يؤثّر فينا.
إن الإنجيلي يوحنا، في اللحظة التي يتحدث فيها عن الجنب المطعون، الذي يخرج منه الدم والماء، يشهد لكي نؤمن. أي أن القديس يوحنا يكتب أنه في تلك اللحظة تتم الشهادة. لأن قلب الله المطعون يتكلم بدون كلام، لأنه رحمة صرفة، محبة تُجرَح وتعطي الحياة. إنه الله. ما أكثر الكلمات التي نقولها عن الله دون أن نُظهر الحب! لنطلب نعمة أن نكون شغوفين بالإنسان الذي يتألّم، وأن نكون شغوفين بالخدمة، لكي تحافظ الكنيسة، قبل أن يكون لها كلام لتقوله، على قلب ينبض بالحب.
وأضاف الحبر الأعظم أن الكلمة الثالثة هي التعزية. إنها تدل على قوة لا تأتي منا، بل من الذي معنا. يسوع، الله معنا، هو يعطينا هذه القوة، وقلبه يمنحنا الشجاعة في الشدائد. إنَّ قلب يسوع ينبض من أجلنا مردّدًا هذه الكلمات: “تشجّعوا، لا تخافوا!”. تشجّعي أيتها الأخت، تشجّع أيها الأخ، لا تستسلم إنَّ الرب إلهك أكبر من شرورك، يمسكك بيدك ويغمرك بحنانه. هو تعزيتك. وبالتالي إذا نظرنا إلى الواقع انطلاقًا من عظمة قلبه، يتغيّر المنظور وتتغير معرفتنا للحياة لأننا، كما يذكرنا القديس بولس، نعرف “مَحبَّةَ المسيحِ الَّتي تَفوقُ كلَّ مَعرِفة”.
لنشجّع بعضنا بعضًا بهذا اليقين، وبتعزية الله، ولنطلب من القلب الأقدس النعمة لكي نكون بدورنا قادرين على التعزية. إنها نعمة علينا أن نطلبها، بينما نلتزم بشجاعة بالانفتاح على بعضنا البعض، ومساعدة بعضنا البعض، وحمل أعباء بعضنا البعض. هذا الأمر ينطبق أيضًا على مستقبل الرعاية الصحية، ولا سيما الرعاية الصحية “الكاثوليكية”: المشاركة، ودعم بعضنا البعض، والمضي قدمًا معًا.
واختتم البابا عظته بالقول: فليفتح يسوع قلوب الذين يعتنون بالمرضى على التعاون والتماسك. إلى قلبك يا رب، نوكل الدعوة للعناية: اجعلنا نشعر أن كل شخص معوز يقترب منا هو شخص عزيز علينا.