عندما بشر الملاك جبرائيل قائلا: ” السلام عليك يا ممتلئة نعمة”, يصف الانجيل موقف مريم قائلا: “فداخَلَها لِهذا الكَلامِ اضطرابٌ شَديدٌ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هذا السَّلام” ( لوقا 1: 29). ماذا تعني هذه العبارة التي تدعو الى الفرح وتصف من يتلقاها مملوءا بالنعمة؟. ان الله كشف مضمون مخططه الخلاصي الذي يبعث في قلب المؤمن الفرح والسلام. الانسان يفقد الفرح عندما يفقد معنى الحياة, عندما لا يستطيع ان يجاوب على تساولات حياته الاساسية, الانسان يصبح فريسة لليأس لانه لا يعرف لماذا يحيا. هذا نراه كله في تاريخ الانسان الضائع والذي لم يعرف الله, احداث ومحطات وحياة عاشتها شعوب عكستها من خلال تصرفات وسلوكيات داست على كرامة الانسان وحريته: في غياب الله غيب الانسان ايضا. ليس القلق شعورا مريحا, فهو هدام ولايبني الانسان. اليوم يدعو الله الانسان الى الفرح والسلام: ” السلام لك, افرحي يا مريم لانك قد ملئت نعمة. ان بحث الانسان عن الجواب لم يكن دوما موفقا, فالانسان اراد ان يريح قلقه من خلال تعقل يحاول ان يوزن معنى الحياة وافعالها. ولكن هذا لم يؤدي الا الى تجميد للحياة من خلال قوانين تمجد العدالة الصارمة, ان تخلق تهربا من الحياة, شكا في ادراك الحقيقة. الانسان استخدم الدين ليروي عطس تساؤلاته, ولكن الاخير ايضا لم يساعد الانسان على تجاوز محدوديته: فالذي يقوم باعمال التدين يحسب نفسه صالحا هو فقط مستعليا على غيره غير معترف به. الشريعة كانت قد فهمت بانها جهد الانسان الذي به يتبرر, ولكنها اسهمت اكثر في انانية الانسان وتقوقعه. افرحي يا مريم لان عهدا جديدا بدأ يمتليء به الانسان من نعمة الله: مريم انعم الله عليها لتكون اما لابنه, لتكون مثالا حيا لمن يريد ان يخلص لا متكلا على عقله او تدينه, بل على وعيه بأنه محتاج الى الله الذي فتح طريقا جديدا يستطيع الكل ان يسلكوه: الخلاص اذن ليس مقتصرا لا على الفكر ولا على التدين وجهده, بل هو نعمة مجانية من الله تمنح على قدر كل انسان, وكل انسان يستوعبها, وكلا انسان يرى حاجته فيها. هذه النعمة اسمها عمانوئيل: اي ان الله قد اصبح قريبا, لا بل حاضرا في حياة الانسان, اصبح انسان. من هنا يستطيع الانسان ان يجد جوابا لقلقه, رجاءا لحياته, دواءا ليأسه. لقد اختلطت حياة الله بحياة الانسان, وهذا ضمان قوي جدا, حيث اصبح للانسان سند اكبر من العقل واقوى من اعمال التدين, انه الله بالذات. هذا هو معنى سلام الملاك, اولا لمريم لانها مختارة لرسالة فريدة لم ولن يكون مثلها ابدا. هذا هو المعنى لنا ان نفرح, اي ان نعيش حياتنا كما هي من دون احباط او يأس. السلبية في الحياة ليست لاننا نتألم او نجوع او نضطهد او نفقد عزيزا او نموت, وليس الفرح عندما نحوز على كل شيء او ننتصر على محدودية, كلا فالسلبية هي عندما نفقد الرؤية الصحيحةو عندما نصبح فريسة لليأس. والفرح هو عندما نعيش حياتنا مهما كانت عارفين ان نهايتها ليست هنا, بل في الله , انذاك نعيش كل لحظة كم هي واثقين ان الكلمة الاخيرة ليست الا في الله الذي يشبع كل ررغبتنا في الوجود فيمنحنا وجودا الهيا. ما معنى ان اكون مسيحي؟. ان اعيش دعوتي بالمسيح فاصبح كالمسيح وحيث هو اكون انا. هذه هي البشارة: خبر مفرح لانسانيتنا الباحثة عن الجواب والرجاء وهذا لن يكون الا بالله الذي هو معنا.