الصباح/ من جديد عاد مسيحيو مدينة الموصل بعد غياب طويل ونزوح دام اكثر من (ستة) أعوام وتهجير قسري على يد عصابات داعش الارهابية الى مدينتهم، حيث تحتفل اليوم اكثر من (200) أسرة مسيحية في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، بعد أن دقت أجراس الكنائس التي اعتادت عليها مدينة الموصل مع فجر ميلاد النبي عيسى المسيح (ع)، فضلا عن الاحتفالات التي تضم آلاف الأسر المسيحية القاطنة في سهل نينوى المدينة الأم التي تقطن فيها الأغلبية المسيحية شمال شرق الموصل.
وكما عادت الى المعمورة مؤخرا أصوات قرع الكنائس بعد إعادة اعمارها، وفتح أبوابها مؤخرا في مدينة الموصل ضمن ساحليها الأيسر والايمن والمدينة القديمة، بعد عودة الأسر النازحة الى مناطقهم على خلفية استتباب الأمن، واعادة الحياة الى مدينة الموصل مع اقامة الصلوات داخل الكنائس المتواجدة من قبل رجال الدين المسيحيين الى جانب رجال الدين المسلمين وباقي الطوائف الاخرى، التي شاركت هي الاخرى باعياد المسيحيين.
اندماج الفرح
ويقول مسؤول كنائس مدينة الموصل الأب رائد عادل في تصريح لـ(الصباح) إن “كنائس مدينة الموصل عادت اليوم مجددا وبعد غياب طويل حرم منها اكثر من 5 آلاف أسرة مسيحية، والذين اجبروا على النزوح القسري، وبشغف جميل يعود اليوم لاقامة هذه الاحتفالات الجميلة بعيد المسيح واعياد الكرسماس، وبمشاركة رجال الدين المسلمين وباقي الطوائف الاخرى، حيث شاركتنا الاحتفالات معا وسط اجواء تسودها الامن والامان والعودة للحياة مجددا”.
واختتم عادل حديثه بأن “الاحتفال بالقدّاس الإلهّي وأعياد الميلاد المجيد، أقام في اغلب الكنائس المعمرة وايضا على ركامها التي ما زالت قيد الانشاء، وابرزها كنيسة الطاهرة بالموصل القديمة وعلى أضواء الشموع، حيث كان احتفالا واسعا، وشارك به لساعات طويلة أبناء الديانة المسيحية، بحضور شخصيات سياسية وعسكرية محلية وإقليمية ودولية، إضافة إلى وسائل إلاعلام التي كان لها الدور الأبرز بنجاح ومشاركة هذه الاحتفالات منذ غياب لمدة أعوام في مدينة الموصل”.
فخر الكنائس
وتعد كنيسة (الطاهرة) في مدينة الموصل القديمة التي زارها البابا الفاتيكان واقام الصلوات داخلها، بالرغم ركام الانقاض فيها مطلع شهر اذار الماضي من اكبر واقدم الكنائس التي فجرتها عصابات داعش خلال سيطرتها على مدينة الموصل في احداث العاشر من حزيران 2014، حيث تعد من أكبر كنائس العراق ومنطقة الشرق الأوسط، وفيها تقام الاحتفالات والتجمعات الكبرى، ويعدها أهالي المدينة وملايين العراقيين فخر كنائس العالم.
وعن الاستعداد وبدء الاحتفالات التي يخوضها ابناء الطائفة المسيحة بمناسبة اعياد ميلاد السيد المسيح، قال المواطن سعد نادر (34 عاما) والذي عاد الى منزله منذ ما يقارب العام في ايمن الموصل، بعد نزوح دام ستة اعوام “بدأت مع مجموعة من أصدقائي بتحضير شجرة عيد ميلاد ضخمة، حيث تم نصبها في كنيسة (مارافرام) من اجل استمرار واعادة البهجة في نفوس المسيحيين العائدين الى مدينتهم الموصل، حيث يعم الأمن اليوم في هذه المدينة، داعين من الرب الباري بعد اقامة الصلوات وقرع الاجراس أن يديم الرب الأمن والأمان في هذه المدينة، وأن يعود الآلاف من الأسر المسيحة الى مدينتهم الموصل”.
نبذ الارهاب
ويرى الاب بولص ازهر من كنيسة مار كوركيس شمالي الموصل “أن اقامة الاحتفالات والتي تعد هذا العام الاولى في مدينة الموصل بعد سهل ننيوى، رسالة مفادها بأن المجتمع المسيحي محب للحياة، ويرغب في التعايش السلمي مع بقية مكونات المجتمع العراقي، وهو مجتمع ينبذ لغة القتل والدم وبعيدا عن الطائفية، التي زرعتها العصابات الاجرامية ما بين المسيحيين والطوائف الاخرى”.
وتحتفل مئات الأسر المسيحة في مدينة الموصل بعد تزين الكنائس وتبادل الزيارات وتوزيع الحلويات بعد سهل نينوى، تحت اجراءت امنية مشددة وحماية لاستمرار طقوس ايام اعياد الميلاد حتى استقبال اليوم الاول من شهر كانون الثاني.
طوائف
وتعمُّ مدينة الموصل من مسيحيين ومسلمين وطوائف متعددة اجمع بمشاركة الاحتفالات التي تغزو شوارع الموصل الى جانب اعياد المسيحين، للمشاركة باعياد المسيحيين، وتعد الديانة المسيحية ثاني كبرى الديانات في العراق بعد الإسلام، وهي ديانة معترف بها في الدستور العراقي، حيث تجمع أربع عشرة طائفة مسيحية يتوزع أبناؤها بين أنحاء مختلفة من البلاد، ويتركز الوجود المسيحي في سهل نينوى ومدينة الموصل، وايضا في العاصمة بغداد وكذلك البصرة وأربيل ودهوك وزاخو وكركوك، حيث تتكلم نسبة كبيرة من المسيحيين اللغة العربية، فضلاً عن اللغات القديمة التي سادت في المنطقة إبان العصور القديمة، ومن أبرز هذه اللغات اللغة السريانية بلهجاتها العديدة.
تفاؤل
ويرى المطران ايواب لوقا من كنيسة الساعة، “ان مشاركة الاخوة المسلمين الى جانب الشباب المسيحيين في نصب شجرة الميلاد وقرع الاجراس واقامة الدبكات والغناء والاحتفال بيوم عيد الميلاد، هو تغيير إيجابي على صعيد مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، ومن أبرز ملامحه تعمق الروابط الاجتماعية كالمشاركة بالافراح الذي يظهره المسلمون نحو المسيحيين من خلال تقديم التهاني إليهم ايضا، ورغبتهم في مشاركتهم احتفالاتهم، معربا عن تفاؤله بأن العراق يدخل خلال أعياد هذا العام مرحلة جديدة”.
يضيف ايواب “املي أن يدوم هذا الشعور الذي يجمع كل الطوائف معا خلال الاعياد الدينية والاعياد الاخرى، وأن يشعرالمسيحون بأنهم جزء من النسيج الوطني العراقي بعيدا عن دائرة الصراعات”.
“حجيتو أكيتو”
ولطالما سميت الاحتفال قديماً برأس السنة (حجيتو أكيتو) ويعني رأس السنة، وهناك في العراق القديم بيت كبير وواسع يقع على أطراف كل مدينة، ويسمى “بيت الاكيتو” أي بيت احتفالات رأس السنة، اذ كانوا يختارون أرياف المدن لبناء بيت اكيتو لأنها أرض واسعة، وذات طبيعة خلابة، ويقال إن الاحتفالات كانت تمتد الى 11 يوماً.
وتبدأ طقوس احتفالات المسيحيين هنا في سهل نينوى ومدينة الموصل من خلال بعض الممارسات منها: أشجار ميلاد مزينة في الكنائس والساحات، ويقوم الأهالي بتوزيع الحلوى للمحتفلين بوجوه تملؤها البسمة والفرح والبهجة، وتستمر تلك الاحتفالات حتى وقت متأخر من الليل، حيث يقومون باشعال بعض أنواع البخور وترديد الصلوات والأدعية، وهذه الطقوس تؤدى في الكنيسة، ومن العادات التي تمارس ايضا ولكن بعد الاحتفال، قيام كل شخص بزرع شجرة، ويكون مسؤولاً على الاعتناء بها، وتبدأ أيضا عملية تنظيف المدن في هذا اليوم لأنها تعد بداية لحياة جديدة.