نينوى.. أرض الكنائس والأديرة

Khoranat alqosh17 يناير 20221105 مشاهدةآخر تحديث :
نينوى.. أرض الكنائس والأديرة

شروق ماهر/ الصباح / اتسمت مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، منذ العهود الأولى من تاريخها بوجود العديد من المظاهر التي تميزها عن باقي مدن العالم، وقد تكلم الكثيرُ من الرحالة والمؤرخين عن هذه السمة التي غلبت على مدينة الموصل، لا سيما أجواؤها ومناخها الذي يصلح لقيام جذور عريقة للحضارة والعمران الإنساني الذي ضم الأغلبية المسيحية هنا في أرض نينوى.
وتعد الكنائس والأديرة من هذه السمات التي ميزتها، فقد انشئت في الموصل العديد من الكنائس والأديرة، وتكاد هذه المدينة أن تكون في مقدمة المدن التي تأسست فيها الكنائس، بعد الكنيسة الاولى في فلسطين، وقد حفلت الموصل بعددٍ غير قليل من الكنائس والأديرة التي انتشرت في معظم أحياء المدينة وخارجها، وقُدر عددها في أوائل القرن التاسع عشر بثلاث عشرة كنيسة.
ويقول المطران شمعون ايشوا، من الطائفة الكاثوليكية المسيحية في تصريح لـ «الصباح»: إن «محافظة نينوى، ومركزها الموصل التي تضم سهل نينوى ذي الأغلبية المسيحية، تحتضن أكثر الاديرة والكنائس التي تضم كل الطوائف المسيحية تحت منصة الأمن والسلام في هذه المدينة التي كان يسودها الدفء والحب والتآخي بين الطوائف الاخرى، الى أن دخلت عناصر داعش الاجرامية وحولت أغلب هذه الأديرة والكنائس الى معاقل لها تحت ضغط التهديد بالإرهاب والقتل وتهجير المسيحيين قسراً، بعد وجودهم لآلاف السنين في ارض
نينوى».

أقدم الأديرة
ويبين ايشوا: «أن أديرة المسيحيين هنا شاهدة على صمودهم في أراضي العراق»، ويحكي ايشوا عن تاريخ أكبر وأقدم الأديرة الواقعة في نينوى والتي تميز بها العراق عن العالم ما بعد فلسطين، ومن هذه الاديرة: دير مار كوركيس الموصل، اذ يقع الدير شمال شرق الموصل وحاليا ضمن حدود بلدية المدينة في المنطقة المسماة بالحي العربي، وكان في الأصل كنيسة باعويزة التي هجرها أهلها المسيحيون، وفي الدير كنيستان، عليا وسفلى، وفيه غرف عديدة للرهبان والزوار، ومعظم أبنيته مشيدة في القرن التاسع عشر، وأقدم ذكر تاريخي للدير يرجع لعام 1710م حسبما جاء في مخطوطة.
أما دير السيدة، فهو من أجمل الأديرة، والذي يقع شرق القوش، وللدير عيدان احدهما في الأحد الخامس من الصوم الكبير والآخر في الـ 24 من نيسان، ويؤمه الزوار من داخل العراق وخارجه للتبرك ولقضاء أيام للراحة
والعبادة.

ألف راهب
ويكمل ايشوا حديثه، ويقول: هناك دير يسمى بـ (دير مار ميخائيل) ويقع شمال الموصل بمسافة قريبة عنها، وهو الآن تقريبا ضمن حدود بلديتها، وتأسس في أواخر القرن الرابع الميلادي على يد مار ميخائيل، أحد تلاميذ مار اوجين، والدير مشرف على نهر دجلة، وجدد عام 1867م في عهد البطريرك مار يوسف اودو، ورمم عام 1956، والآن يقوم الكهنة في كنيسة مار اشعيا القريبة منه بإدارته، ويفتح الدير أبوابه لزواره في عيده المصادف في الاحد الخامس من
الصوم.
ويذكر أن الدير كان عامراً بالرهبان حتى بلغ عدد رهبانه في أيام عزه اكثر من ألف راهب، وتجددت فيه الحياة الرهبانية في القرن الثالث عشر، وكان آهِلاً بالرهبان في أوائل القرن السادس عشر، أما الآن فهو خالٍ من الرهبان.

جبل بيت عذرى
وعلى بُعد 33 ميلاً عن شمال الموصل، يقع دير الربان هرمز، وموقعه في جبل القوش والمعروف بجبل بيت عذرى، وهو من أديرة الكلدان وأنشأه الربان هرمز متزامناً مع دير مار اوراها الذي يقع قرب قرية باطنايا منتصف طريق الموصل- القوش في الربع الثاني من القرن السابع الميلادي، وكان الدير مقراً للرهبان الكلدان، وقد أنشئ الى جنوبه دير السيدة العذراء، والدير في بعض عصوره نالت منه النكبات فنهب واقفر من رهبانه عدة مرات، وفيه كنيسة أثرية رممت على مر العصور.
ويُعرف الدير بأنه شهد العديد من النكبات التي كانت سبباً في تدميره وإحراق مخطوطاته النادرة، ومن أشد الحملات التي طالت الدير واحرقت خزائنه حملة الشاه طهماسب ونادر شاه وتيمور لنك، اذ تم إحراقها مع جميع مخطوطاتها من قبل امير رواندوز الامير (محمد كوره) في حملته على بادينان في القرن التاسع
عشر.

البَرء من الصرع
أما دير مار بهنام فيقع على بعد 35 كم جنوب شرق الموصل، وهو قريب من قضاء قره قوش في سهل بين دجلة والزاب الأعلى، وكان يعرف بدير الجب، ويعود الى السريان الكاثوليك، ويقطنه الرهبان ويقصده الناس للتعبد ولأجل البَرء من الصرع.
بني هذا الدير على ضريح القديس بهنام ورفاقه الذين دفنوا في مقبرة جماعية قرب تل الخضر القريب من قره قوش، وتعرضت كنيسته للتوسع مرتين منذ تأسيسها الاول، وكان ذلك في الربع الاخير من القرن الثاني عشر الميلادي، ثم أعقبه التوسع الثاني في نهاية ذلك القرن او بداية القرن الرابع عشر الميلادي، على أن البناء الأصلي للدير قد طرأ عليه على مر العصور ترميم وتجديد وتوسيع.
وتعد كنيسة هذا الدير من التحف الأثرية وهي مشيدة بالرخام والجص والحجر والطابوق، وفي داخل وخارج الكنيسة كتابات سريانية وزخارف ونقوش على الرخام، وأقدم تاريخ لها عام 1164م حسب تاريخ الموصل
للصائغ.

أديرة اليعاقبة
ويضيف ايشوا: أما دير متي فأجمل أديرة سفوح جبل مقلوب، فقد شيد هذا الدير من قبل المار متي عام 334م بعد هروبه ولجوئه الى هذا المكان بسبب اضطهاد الامبراطور الروماني ديو مليكاس، ويقع هذا الدير في جبل مقلوب، وهو من أقدم أديرة النصارى، وبني في القرن الرابع الميلادي، وهو تابع لليعاقبة ويقصده الأتراك والمسيحيون في الصيف للنزهة، ويقع هذا الدير على قمة جبل عالٍ ووعر يتعذر على الفارس التسلق إليه لوعورته، ويسكن الدير في الغالب ثلاثة او أربعة رهبان مع أنه من أشهر اديرة اليعاقبة، وفي الدير آثار صوامع قديمة للرهبان ومخازن عديدة لحفظ الماء بالقرب من قمة الجبل كالصهريج.

حنا يشوع ويوحنان الشيخ
أما دير مار إيليا، فيقع في الجانب الايمن من دجلة غربي الموصل على بعد سبعة كيلومترات من مركز الموصل في منخفض يعرف بوادي الدير، ويحمل هذا الدير اسم مؤسسه الراهب ايليا، الذي قدم من الحيرة ويسمى كذلك بدير سعيد نسبة الى سعيد بن عبد الملك بن مروان، وكان عامل الموصل في خلافة أبيه، أما عن تاريخ تأسيسه فالمرجح انه قد أسس بين عامي (582-590م)، ولم يكن مار ايليا وحده من بنى هذا الدير إنما شاركه ابن اخته حنا يشوع ويوحنان الشيخ.
وكان الدير مـأهولاً بعددٍ كبير من الرهبان، وكانت الكنيسة مستعملة حتى عهد طهماسب خان، إذ إن الجيش الفارسي كان قد دخل الدير ودمره وتركه على ما هو عليه اليوم من التصدع، فالكنيسة ساقطة والمنارة خربة والحيطان مهدمة في عدة أماكن.
وفي شمال الموصل وشرق قرية باطنايا يقع دير مار اوراها، وموسمه في الاحد الجديد بعد عيد القيامة، وكان الدير متروكاً ومهدماً لفترة طويلة مع العلم أن تأسيسه جاء متزامناً مع تأسيس دير الربان هرمزد قرب القوش، وفي فترة التسعينيات من القرن الماضي جدد الدير وغلف بالحلان ليصبح مزاراً لأهالي المنطقة، ويعتبر دير الربان هرمزد من أشهر الأديرة في العراق لتاريخه العريق، وموقعه الجميل، ودوره في تاريخ كنيسة
المشرق.

شهادات
يبين الراهب نادر هرمز، والذي عاد مؤخراً الى أديرة الموصل بعد أن كان من ضمن الذين فروّا من عصابات «داعش» عند هجومها على القرى المسيحية في سهل نينوى بمدينة (بغديدا)، لكنه عاد منذ أقل من عام وهو في دير الربان هرمزد الواقع على سفح جبل سهل نينوى، في حديث لـ «الصباح»: «نزح الكثير من سكان الأقضية والنواحي والقرى التي شهدت مأساة على يد عصابات داعش، بعد أن سلبت أعراضهم وأموالهم في فترات مختلفة خاصة عام 2014، نتيجة هجوم داعش على الأسر المسيحية والايزيدية وحتى المسلمين ايضا الذي كان مصيرهم واحداً الى جانب المسيحيين بالقتل والتسليب
والنهب».

إحصائيات
ويعد السكان والزوار هذه البلدة وأديرتها وكنائسها المفتوحة للجميع ملاذاً للعيش والعبادة، اذ يرى أغلب المسيحيين من سكان سهل نينوى أن السهل مركز الحياة المسيحية من حيث الأمن الذي ينعم به المسيحيون ما بعد التحرير على يد القوات الأمنية العراقية البطلة، اذ كان عدد السكان المسيحيين في العراق يبلغ أكثر من مليون ونصف المليون، إلا أنهم باتوا اليوم نحو 400 ألف وفقاً للتقديرات.
البابا عدي يعقوب، يقول لـ «الصباح»: الكلدان أكثر الطوائف المسيحية بالعراق، وتحديدا في محافظة نينوى، فهم أكثر الطوائف عدداً بين مسيحيي العراق، اذ يشكلون ما يصل إلى 80 بالمئة من العدد الإجمالي، والكنيسة الكلدانية هي كنيسة تنتمي للمذهب الشرقي للكاثوليكية، لكنها تحتفظ بشعائرها وطقوسها، وتأسست في بلاد ما بين النهرين، العراق حالياً، في القرن الأول الميلادي.
بينما يشكل السريان حوالي عشرة بالمئة من المسيحيين بالعراق، ومنهم كاثوليك، وهم الأغلبية، وأرثوذكس، وتضم بلدات قره قوش وبعشيقة وبرطلة في الشمال أكبر تجمع للسريان في البلاد.
أما الآشوريون ومن ضمنهم الكاثوليك الآشوريون، فيمثلون حوالي خمسة بالمئة من مسيحيي العراق، وينحدر أغلبهم من إيران وتركيا، اذ فر كثيرون منهم إلى العراق خلال الحرب العالمية الأولى، وتوجد 21 كنيسة آشورية في العراق، منها 17 في بغداد، في ما يشكل الأرمن حوالي ثلاثة بالمئة من المسيحيين بالعراق، وهم قدموا إلى بلاد ما بين النهرين خلال الحرب العالمية الأولى.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل!