اهمية الثقافة لعملية التأوين

Khoranat alqosh28 يناير 2022772 مشاهدةآخر تحديث :
المطران فيليكس سعيد الشابي
المطران فيليكس سعيد الشابي

+ فيليكس سعيد الشابي / زاخو

مقدمة:

التاوين يعني التجديد ومواكبة العصر. والكنيسة الكلدانية هي مشرقية. وقد يذهب جل تركيزنا بالفطرة الى الطقوس، حال باقي الكنائس الشرقية. كما تبين من النقاشات الاخيرة بشأن قضية “التأوين” والتي طرحها غبطة ابينا البطريرك الموقر، لكن بعض التعليقات والتاويلات صار تركيزها على: 1- الطقس، 2- اللغة الطقسية، فقط!

هذا دعى غبطته ان يوضح لاحقا بكتابته: “متابعة لموضوع التاوين” وبيّن بان هناك المزيد من جوانب الحياة الكنسية والتي يشملها التجديد، بقوله: “التأوين لا يقتصر على الليتورجيا التي لها اهمية بالغة بكونها التعبير الأقوى للإيمان، بل يشمل اللاهوت والقوانين والتعليم المسيحي وهيكلية الكنيسة“.

 

نظرة الى الامس Flashback:

منذ المجمع الفاتيكاني الثاني 1962- 1965، بدأ توجه الكنيسة الكاثوليكية، ومعها كنائسنا الشرقية، الى دارسة الكتاب المقدس واللاهوت بفروعه المختلفة. ففي العراق قامت الدورات اللاهوتية والكتابية وبدات المجلات مثل: “الفكر المسيحي” و”بين النهرين” و”نجم المشرق”، ولربما سبقتها اخريات حتى قبل ذلك، كي ترافق المؤمن والكاهن والمكرس، في مسيرته الايمانية اليومية وترتقي بافكاره الى مستويات وافاق جديدة، وتشاركه في عيش الخبرة الايمانية للكنيسة الجامعة وليواكبها ويسير معها.

 

التاوين عمل دؤوب مثابر:

بعد المجمع، بدأ الكهنة بتحضير المواعظ، والمحاضرات، واللقاءات الاجتماعية والندوات للناس، وتاسيس المجالس الخورنية والرعوية، والاستشارية على صعيد الكنائس والابرشيات… حصل هذا بسبب تنامي الوعي والثقافة لدى الكنيسة والناس. فقد غدا المؤمن مثقفا دارسا وليس مجرد انسان بسيط الثقافة، كما في القديم، بل واحيانا يفوق بدراسته دراسة الكاهن المتخرج من السمنير، او حتى المتخصص، لان كل اختصاص هو مختلف عن الاخر!

هنا، كان لا بد للكهنة من مواكبة هذا التطور الفكري، اذ قامت الكنيسة بارسال تلامذتها الى الجامعات اللاهوتية، عموما في في اوروبا، من اجل ان يكون كاهن الغد، مواكبا ورائدا، للنشاط الايماني والثقافي والاجتماعي، ومتمكنا من ان يقود شعب اللـه في درب الايمان بحكمة واستنارة.

اتذكر ما قاله لنا المثلث الرحمات، البطريرك روفائيل بيداويد في بغداد عندما ذهبنا لنشكره صباح اليوم التالي لرسامتنا الكهنوتية (قبل 24 سنة): “ابنائي، لا تتوقفوا ابدا عن نهل الثقافة، ولا تتشبهوا بالطلبة الذين يعودون الى البيت ويرموا كتبهم في الهواء بعد التخرج! بل واظبوا وابحثوا عن منابع العلم. فالطبيب المتخرج حديثا، ان لم يتابع المجلات العلمية الدورية، ويطّلع على اخر التحديثات، يبقى متخلفا عن اقرانه، ولن يراجعه الناس بعدئذ، لان خبرته ستصبح قديمة وبدون فائدة في التشخيص والعلاج”.

الثقافة والتاوين:

من هنا نعرف بان الثقافة هي عنصر اساسي، لتمكننا من مواكبة عملية التجديد في الكنيسة. ولكننا في الواقع نصطدم بالصعوبات. اذ نجد عدم امكانية ارسال جميع الكهنة او المكرسين والمكرسات للدراسات العليا، الماجستير والدكتوراه في الخارج. ولكن قسما جيدا منهم اليوم قد درس وحصل على الشهادة.

اظف الى ذلك، فان الكهنة في العراق، يعانون من مشكلة عدم تعلم اللغات الغربية، والتي هي المفتاح للتسلل الى الفكر واللاهوت الكاثوليكي الغربي باللغة الاصلية للمؤلفات والكتب. فالطالب في السمنيرات الغربية على سبيل المثال، لا يتخرج من المعهد الكهنوتي، الا وهو حاصل على شهادة الماجستير، وبعدها ينطلق للخدمة الرعوية.

الدراسات العليا ضرورية للتاوين

كما نتمنى من “كلية بابل الحبرية” ان تسعى الى فتح قسم للدراسالت العليا بعد ان مر على تاسيسها 25 سنة، منذ 1997، اسوة بالكليات المارونية واليسوعية في لبنان، اذ يمكن التعاون معها لبلوغ هذه الغاية النبيلة. لكي تسهل من عملية الحصول على الشهادات العليا للكثير من الطلبة الدراسين فيها، من الكهنة والمكرسين والعلمانيين، رافعة عنهم تحمل عناء السفر والموفقات والشروط الكثيرة، وتحديات الدراسة في المجتمع الغربي، بالاظافة الى قيود كورونا والتي تحول دون بلوغ الطالب هدفه بالفترة الزمنية المسموحة.

كما ونامل من الجامعة الكاثوليكة الحديثة العهد في اربيل، ان تتجه الى امكانية فتح اقسام للدراساىت العليا في شتى الاختصاصات، بضمنها الاختصاصات اللاهوتية الى جانب الاختصاصات المدنية. بحيث تتوفر اكثر من فرصة امام الدارسين واكثر من مكان لنهل العلم.

هكذا ستنشأ اجيال جديدة قادرة وقابلة على القيام بعملية التاوين من المخزون الفكري واللاهوتي والتاريخي والمجتمعي الذي لديهم، والذي يكتسبونه من الدرسات والتخصصات في العلوم الكنسية المختلفة. كما وستكون فرصة ثمينة لكنيستنا للتركيز على الدراسات الشرقية، والتعرف على ما كتبه اباؤنا، كما يفعل اخوتنا المبار في الهند، والذين يكبون على دراسة وتحليل وتفسير ما كتبه اباء كنيستنا، كنيسة المشرق العظام، فنعيد اكشاف هذه الكنوز التي كتبوها، والتي لا يزال معظمها طي النسيان بالنسبة لابنائنا …

التاوين في الرعية:

الكنيسة بدورها تحتاح الى تجديد وتحديث. بدءا بالرئاسة الكنسية، التي يجب ان تعاصر عجلة الحياة وتسير معها في خضم ظروف عالم اليوم تحديات العولمة والعصرنة واللامبالاة الدينية. حيث يشدد قداسة البابا فرنسيس على اهمية الفحص الذاتي للكنيسة ولمؤسساتها لتكون شفافة في تعاملها ومواكبة لاحتياجيات الناس.

كما ويجب ان يشمل التاوين الرهبنات والاديرة ومؤسسات الحياة المكرسة، والفرق والمجاميع الكنسية المختلفة. ومؤسسة او شريحة الشمامسة وخدام الكنيسة وشريحة الاخويات التقليدية واللجان العاملة في الكنيسة.

فهناك من هو في الكنيسة منذ زمن، ويعتبر العمل الكنسي مهنة ووراثة. ولا يهمه ما يقوله له الكاهن او يرشده، فطريقته هي افضل وانجع! لانه بالحقيقة لا يعرف غيرها… لذا يجب العمل بجهد وجدية على تجديد كافة مرافق الحياة الكنسية وخلق جيل جديد وكفوء من الكوادر العاملة والخدمية من اجل الخير العام، ولاجل اعادة حيوية ونشاط الكنيسة وبريقها لجذب الشباب الواعي والمسؤول لانهم كنيسة الغد.

خاتمة:

نرى مما تقدم، بان التأوين، الذي يؤكد عليه غبطة ابينا البطريرك، وتريده الكنيسة باستمرار، ليس مجرد كلمة عابرة. كما وانه ليس مجرد تغيير لاجل التغيير. بل انه عملية تفكير عميق ومدروس، نابع من الحاجة ومن الوضع الراهن للمؤمن وللكنيسة كلها بكافة جوانبها، لكي يتمكن المؤمن من عيش ايمانه، والشهادة له اليوم، بعد عملية تامل وفهم، واقتناع، وهضم للانجيل ولتعليم الكنيسة…، وامكانية النظر بصورة صحيحة ومتوازنة لتلبية حاجة ابنائنا اليوم بتقديم التعليم الايماني لهم والشهادة الحية للانجيل، لكي نتمكن من التحول من مرحلة القديم والتراجم والاقتباسات، الى مرحلة الانتاج الفكري والاسهام الحضاري والايماني في كنيستنا ومجتمعنا من حولنا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل!