العنصرة حياتنا الحقيقية
تحتفل الكنيسة اليوم بحدث نستطيع أن نقول عنه بأنه حدث مستمر. لقد حل الروح القدس على التلاميذ في بداية تاريخ الكنيسة. ولكن هذا الحدث كان بداية لاستمرارية حلوله دوماً على الكنيسة. العنصرة أو اليوم الخمسين بعد الفصح، كانت مناسبة يحتفل بها بنو اسرائيل بذكرى تسلم موسى للشريعة على جبل سيناء. العنصرة اليوم، هي حلول الروح القدس على الكنيسة. ماذا يعني حلول الروح القدس؟ لقد قال يسوع في الانجيل: ” وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ” ( يوحنا 10:10). إن الروح القدس هو حياة الله التي بالذات غرست في واقعنا. الحياة الحقيقية هي عيش الواقع حسب منظور الله، التعامل مع أمور الحياة حسب المعنى الذي أراده الله لها. الروح القدس هو من يفهمنا ويعلمنا المعنى. إنه يضع فينا المعنى الذي نتعطش لتحقيقه في تفاصيل الحياة. إذا انتبهت للحقيقة التي في داخلك والتي وضعها الروح القدس فيك ستبحث عنها في تفاصيل حياتك وتعيشها واقعياً عندما تعيش حياتك. كل إنسان يبحث في الحياة ليحقق هدفاً نابعاً من قناعاته وتصوراته، بينما المسيحي توجد في دواخله الحقيقة والمعنى الذي أراده الله عندما خلقنا. كلما انتبهنا للروح القدس الساكن فينا سنفهم أكثر سبب وجودنا وعيشنا وتفاصيل حياتنا. يسوع قال: ” وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ” ( يوحنا 14: 26). يعلمنا الروح القدس بهذا المعنى عندما يزرع فينا الشوق إلى الحقيقة والبحث عنها. ولكنه يذكرنا أيضاً بما قاله يسوع. لم تكن أقوال يسوع مجرد كلمات، ولكنها كلمات خلاقة تحقق ما تعنيه. الله يقول فيكون. إن موجز أقوال يسوع وما حققته هو ” الخلاص”. أي خير الانسان وفرحه وسلامه الداخلي الذي ينبع من حقيقة أنه أصبح بيد الله، اصبح ابن الله، مصيره مع الله. لا يذكرنا الروح القدس بهذه الحقيقة بصورة نفسية، ولكنه يجعلها واقعية. نجد في كل احتفال بأسرار الكنيسة، يدعو المحتفل الروح القدس ليحل ويقدس مواد مثل الماء والخبز والخمر وغيرها لتصبح حضوراً حقيقيا ليسوع القائم من بين الأموات. في القداس، بسبب حلول الروح القدس يصبح الخبز والخمر جسد ودم المسيح الذي قال” خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي” ( متى 26:26). إن الروح القدس يسميه يسوع ” الفارقليط” أي تعني باليونانية ” المدافع”. يدافع الروح القدس عنا، عندما نختار عيش الحياة حسب معناها الأصيل. إن كل اختيار صحيح نقوم به نستطيع أن ننجزه ونتحمل نتائجه بثبات وفرح، إذا كان نابعاً من الروح القدس. قد تكون لنا قناعات وسلوكيات وخيارات في طريقة عيش الحياة، تختلف عن كل العالم، لا بل في الكثير من الأحيان يساء فهمنا ونُضطهد لأجل سلوكنا الصحيح، وأحياناً، نُرى نحن المسيحيون، وكأن خياراتنا غير منطقية وصعبة ونبحث للتهرب منها. الروح القدس هو من يدافع عن قناعاتنا، لأنه يوسع أفق فهمنا. لنرى أبعد مما يراه المنطق البشري. يساعدنا الروح القدس على رؤية نتائج اختياراتنا على المدى البعيد، يُفهمنا كيف ستكون حياتنا في الأبدية. الاختيار الصحيح هو معيار لنضوج شخصيتنا التي لن تفنى أبداً. إذن، الروح القدس هو الحياة العميقة والصحيحة التي أعطيت لنا والتي بدورنا نجسدها بكامل حريتنا. الحياة إذن، تجسيد للروح القدس في الواقع. هناك من يجسد في الواقع تصورات أخرى ناقصة والفرق يكون في ثمار تلك الحياة. الحياة التي هي تجسد للروح تراها عندما تجد هذه النتائج: ” مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ” ( غلاطية 5: 22-23). تشكل هذه الثمار الايجابية صورة الانسان الحقيقية. إنها علامات، إذا ظهرت في حياتنا سوف نعرف إن حياتنا روحية، أي تظهر فيها معاني الروح القدس التي ذكرها مار بولس. على العكس منها، إذا ما جسد الإنسان في حياته تصورات غريبة ليست من الله، سوف تتسم حياته بهذا: ” الَّتِي هِيَ زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ” ( غلاطية 5: 19-21). من أين تأتي هذه السلبية؟ يسمي مار بولس هذه الاعمال بأعمال الجسد، ولكن الجسد الذي يصبح تجسيداً لتصورات خاطئة لا تمت بصلة الى الحقيقة الإلهية. الجسد الذي يكون تجسيداً للروح القدس سيكون كله خيراً ومؤشراً إلى حقيقة الحياة الحقيقية التي ننتظرها. لهذا يجعل الروح القدس منا علامات تشير إلى الله والحياة الأبدية، التي بدأت تظهر فينا منذ الآن، لأن الروح القدس يسكن فينا الآن وسوف يكملها فينا. إننا بهذا المعنى رسل نحمل رسالة من الله تريد أن يصبح العالم كله روحياً، أي أن يعكس المعنى الحقيقي الذي أراده الله له عندما خلقه.