الروح القدس يصحح نظرتنا
نتأمل في هذا الأحد بما يمنحه الروح القدس لنا من موهبة تساعدنا على النظر الصحيح. تساعدني الرؤية الصحيحة على تقبل ما يعمله الله تجاهي وكيف أتجاوب معه. في إنجيل اليوم ( لوقا 7: 31- 50)، يبدأ يسوع بانتقاد نظرة الفريسيين تجاه يوحنا وتجاهه ” جاءَ يوحنَّا المَعمَدان لا يأكُلُ خُبزاً ولا يَشرَبُ خَمراً، فقُلتُمْ:لقَد جُنَّ. وجاءَ ابنُ الإِنسانِ يأكُلُ ويَشرَب، فقُلتُم:هُوَذا رَجُلٌ أَكولٌ شِرِّيبٌ لِلْخَمْرِ صَديقٌ لِلجُباةِ والخاطئِين” ( لوقا 7: 33-34). المحصلة هي رفض لرسالة السماء من قبل من هم خبراء بالتوراة. ولكن من ينتبه إلى هوية وحقيقة يسوع هم الخطأة، أناس بعيدون عن الله ينتبهون إلى حضوره في حياتهم.
هذا هو جوهر الحدث الذي وقع في بيت سمعان الفريسي، الذي دعا يسوع إلى العشاء. هناك دخلت امراة خاطئة، نظر إليها يسوع، وكذلك فعل سمعان الفريسي، ولكن هي أيضاً نظرت الى يسوع. تذهب نظرة هذه المراة إلى أفق بعيد، تتجاوز التحديدات الميتة، إنها ترى حسب نظرة يكتنفها السر: ترى الحنان والرحمة في تصرفات يسوع، ترى إلهاً يرحمها ويريد خلاصها. نظرة الفريسي نظرة متقوقعة، نظرة لا ترى جانباً آخر في هذه الإنسانة، إلا كونها خاطئة لا غير. نظرة كهذه محددة بحرفية الشريعة أو التدين، لا تحجم وتقزم الإنسان فقط، ولكنها تجعل أيضاً من الله صنماً. يشك هذا الفريسي بهوية يسوع ورسالته السماوية، لأنه كان يتمنى من يسوع أن يطرد هذه المراة الخاطئة ولا يستقبلها، إنه يريد إلهاً حسب مزاجه وفهمه، وليس كما يكشف الله ذاته ويفاجيء الإنسان.
نعم، تجعل هكذا نظرة من الله صنماً وقزماً، فحجمه عنده لا يتجاوز ما تقوله توصيات الدين المتقوقع. مواقف كهذه تعاش بصورة ضمنية، وكأنها تتسلل إلينا من دون أن ندرك. فكثيراً ما نقع في الشك أو نعترض أو نرفض القيام بفعل ما يعكس إيماننا، لأننا لا نريد أن نتجاوز ما نعيشه من روتين ديني. يسوع ينظر إلى الاثنين ليثبت الموقف الصحيح، يستدرك الكلام، قارئاً أفكار شمعون. مثل العبدين اللذين يترك لهما دينهما وكيف ينظر كلاهما إلى سيدهم الكريم، هو جواب يقود به يسوع شمعون ليفهم بأن النظرة السليمة تجاه الله هي تلك التي تقوم على أساس المحبة، فالذي ترك له سيده خمسمائة دينار يحب سيده أكثر من ذاك الذي ترك له سيده خسمين دينار. فلو تأملنا في الفرق الموجود بين الخمسين والخمسمائة، سنراه يساوي عشرة أضعاف، لدينا الرقم عشرة.
الإنسان الكامل له عشرة أصابع، رقم يدل على كل الإنسان الكامل، لكنه يدل أيضاً إلى كل البشر. إنه رقم يشير إلى الكلمات العشرة التي هي أساس العلاقة مع الله، وبكسرها تنتج الخطيئة. يوجد إذن غفران غير محدود، فكل الخطايا تغفر ولكل البشر. إن الله الذي يكشفه يسوع المسيح هو محب ومخلص للجميع ومستعد لأن يغفر لهم كل شيء، إذا ما تابوا واقتربوا منه. نحو هذا الإله يلزم النظر، يلزم التقدير والإكرام. هذا ما وعته هذه الخاطئة التي قدمت كل مالها، حياتها، مواهبها، لتضعها تحت قدمي يسوع، ليكون هو في المكان الأسمى. إنها نظرة من ينفلت من المحدوديات التي تأتي من الحياة والمجتمع والميزات الشخصية، يتحرر منها ليرى الله بوضوح. تعني رؤية الله هذه العلاقة السليمة معه. هذا ما لم يستطع شمعون الفريسي عمله، فهو بدل أن يتسامى على محدودية الفارق التقوي الذي يميزه عن غيره، أراد أن يصبح الله أيضا مشاركاً لنظرته هو وليس العكس. من أجل هذا يعلن يسوع أمام الجميع: أحبت هذه المراة كثيراً، والحب لا حدود له، كلما غصت فيه اكثر ينفتح المجال ويتوسع أكثر، أي كلما زادت احتياجاتك الروحية بسبب فقرك وخطيئتك التي مهما كانت كبيرة، فثق إن الله يستطيع أن يشفيك، كلما سأت حياتك فهو مستعد أكثر لتحسينها.
من أجل هذا غفرت خطاياها. يعني هذا الغفران الدخول في علاقة سليمة وصحيحة مع الله ومع الذات ومع الآخرين، يعني كيف استخدم كل شيء حسب معناه الحقيقي. سوف تعود هذه المرأة لتعيش علاقتها مع جسدها بصورة صحيحة. مدركة إنه هيكل الله وصورته. يعطي لنا الروح القدس الحال فينا هذه النظرة السليمة إلى الله، به نتجاوز محدوديات الحياة والتدين، بقدرته نجتاز كل المعوقات التي تضعها خطايانا، فلو غلقنا قلبنا أمامه، ستكون آنذاك الخطيئة العظيمة، التجديف عليه، عدم القبول بما يهبه لنكون فعلا هياكل وصور حقيقية لله. لندع روح الله يهب فينا ويعمل لنعيش هويتنا أن نكون أبناء الله.
المطران مار بولس ثابت-القوش