اسي مينا – جورجينا بهنام حبابة/ اعتاد أهالي الموصل لقرونٍ خلت أن يلتئموا على المحبّة، بالرغم من اختلافهم وتنوّعهم، مستلهمين معاني اسم مدينتهم (المَوْصِل: مَوْضِعُ الوصل بمعنى الضمّ واللأم). وليس بغريب أن تجد عالم آثار مسلمًا متعمّقًا في التراث المسيحي السرياني ويعمل على توثيقه، ولا سيّما بعد ما أصابه من دمار وتخريب في خلال سيطرة تنظيم داعش على الموصل للفترة الممتدّة ما بين 2014 و2017، وفي أثناء عمليّات التحرير.
عن تجربته في توثيق التراث المسيحي في الموصل، قال البروفسور د. عامر عبدالله الجميلي، الباحث في مركز دراسات الموصل التابع لجامعتها، في حديث خاصّ لـ«آسي مينا» إن رغبته بالتعمّق في التراث السرياني زادت شغفه بإتقان اللغة السريانيّة، خصوصًا في فترة عمله مع فرق التنقيبات الأثريّة، فضلًا عن كونه تدريسيًّا في كلّية الآثار، متخصّصًا باللغات الساميّة القديمة، فاهتمّ بتطوير معارفه فيها بمساعدة المطران صليبا شمعون والأب الراحل د. يوسف حبّي وبنيامين حداد، عضو هيئة اللغة السريانيّة بالمجمع العلمي العراقي.
وأكد أن التجاوزات الهائلة التي مارستها المجموعات الإرهابيّة على ممتلكات المسيحيين المادّية والدينيّة والتراثيّة حفّزته كآثاري على نصرة إخوته المسيحيين. وأضاف: «مع تحرير الموصل في العام 2017، شرعتُ بتوثيق التراث المسيحي المتضرّر، مبتدئًا بأديرة مار إيليا ومار ميخائيل ومار كوركيس، ثمّ كنائس بغديدا وبرطلة وكرمليس وتلكيف، فضلًا عن توثيق واقع المخطوطات التي أُحرقت أو نُهبت مع التحف التراثيّة الأخرى، منتقلًا بعدئذٍ إلى توثيق الكنائس والدور داخل المدينة القديمة».
وأعرب الجميلي عن اهتمامه بتصوير النقوش التي لطالما تصدّرت بيوت مسيحيي الموصل العتيقة وتوثيقها، مؤكدًا أهمّيتها نظرًا لقِدَمِها ولما تتضمّنه من زخارف ونقوش لصلبانٍ وآياتٍ من الكتاب المقدّس باللغتين السريانيّة والعربيّة، خصوصًا من سِفرَي الحكمة والمزامير، فضلًا عن تاريخ تشييدها. وأشار إلى اعتنائه بتصوير ما بقي شاخصًا من هذه النقوش، بالرغم من التدمير والتشويه، وتوثيقه عبر نشر صور وموضوعات عنها في المجلات العلميّة.
وفي ما يتعلّق بمساهمته التطوّعيّة في صيانة الأشرطة الكتابيّة المخطوطة باللغة العربيّة وترميمها في كنيسة مار توما التاريخيّة بالموصل، أوضح قائلًا: «كوني خطّاطًا، ساهمت في صيانة هذه اللوحات التي تلفت أجزاء منها في فترة سيطرة داعش، فضلًا عن ترميمها، عبر استكمال الجزء الناقص من العبارة بالخط الأصلي».
وختم الجميلي حديثه عبر «آسي مينا» بالقول: «إنني أردّ بذلك جزءًا يسيرًا من فضل أهل مدينتي الموصل المسيحيين الذين يُعدّون السكان الأصليين لها وللعراق وللشرق الأوسط».