الازمة الراهنة
بنوتنا للكنيسة تعلمنا كيف نتكلم عنها
وان كان المقال طويلا يرجى قرأته – نظرة على ما يحدث اليوم تجاه الكنيسة من زاوية مهمة
المطران بولس ثابت
الكنيسة هي جماعة من الذين حل عليهم الروح القدس وجعل منهم هيكلاً له فأضحوا هم هيكلاً لسكنى الله على الارض.
الأنتماء الى الكنيسة يعني الجواب على دعوة المسيح والتجمع حوله، هذا التجمع ليس مكانياً قبل كل شيء، ولكنه ايمان وقبول لشخص المسيح ووضعه كمقياس للحياة ونموذجها الاول. الانتماء الى الكنيسة يعني التشبه بالمسيح ولهذا اطلق المسيحيين على انفسهم منذ السنوات الاولى لأنطلاق دعوتهم الخلاصية بالمسيحيين، اي كل واحد منهم يريد ان يعيش حياته كما عاشها المسيح واضعاً نصب عينيه كلمات المسيح ومواقفه لتكون فكره واسلوب حياته.
اليوم وبسبب الابتعاد عن المسيح، الذي يتم اللقاء به في كلمته واسرار خلاصه، تشوهت النظرة الاصيلة التي يجب ان يمتلكها المؤمن عن هويته الجماعية: اي الكنيسة. هذا طبيعي: عندما يتوقف الرياضي عن التدريب البدني تصبح الحركة له تعباً وامراً مزعجاً، كذلك عندما يفقد الجسم العناصر الغذائية المهمة يصبح فريسة للكثير من الامراض. والمسيحي الذي يجهل ارادة الله المعلنة في الانجيل والفعالة في حياة الكنيسة يعتريه الجهل ويرى الامور عكس ما هي، عندما يصبح الدفاع عن الدين بدافع المصلحة او لكبرياء ما او بسبب التقوقع على افكار وعادات لا يفهمها على حقيقتها، او يتباكى على الايمان وهو لا يمارس متطلباته، انذاك تبرز افكار غريبة واحكام قاسية واعلانات او تصاريح تتغلف بقشور الدين مشوهة اياه عوضاً عن حمايته.
الكنيسة في حقيقتها هي جامعة، هذه الصفة نسميها حسب المصطلح اليوناني ” كاثوليكية” اي حسب الجميع ( بالطبع كل الكنائس الرسولية تؤمن بهذه الصفة كصفة عامة – ونحن نستخدمها ايضا للاشارة الى الكنائس التي لها شركة كاملة مع بابا روما. الكنائس الاورثوذوكسية لها صفة كاثوليكية: اي ان ايمانها هو حسب كل رسل المسيح وما امنت به كل الكنائس شرقاً وغرباً قبل حدوث الانقسامات – الكنيسة الكاثوليكية هي ايضاً تتبنى صفة الاورثوذوكسية لأن تعليمها ايضا رسولي سليم).
ان صفة الجامعية في الكنيسة تتحقق ايضاً على مستوى الكنيسة الخورنية، حيث الكل يجتمع حول المسيح في اجتماعات القداس والتعليم والنشاطات والاتفاق الاخلاقي حسب ما تعليم الانجيل. من يشذ عن هذا التجمع او الاتفاق بالتأكيد سوف يكون ضمن خندق ضيق معرض للمساومة وخلط الامور ببعضها.
من يخرج عن هذه الحظيرة المؤمنة بالتعليم الكنسي المضمون صحته بسبب حضور الروح القدس، يصبح فريسة لأفكار غريبة عن الكنيسة ونرى المبتعدين يتبنوها في كلماتهم ويعيشونها ضمن سلوكيات تشذ عن الواقع المسيحي، واحيانا يؤطرونها بصفة المسيحية ورموزها.
ان اقتطاع جزء من الكل واستخدامه كمعيار لأطلاق الاحكام هو امر يؤدي الى تشويه الحقيقة ذاتها وان كان هذا الجزء مقتطعاً منها. لأجل هذا ظهرت ما تسمى الهرطقات والتي هي كلمة يونانية بالأصل تعني اختيار محدود لا يعكس كل الحقيقة. هرطقات اليوم هي كشعارات يطلقها البعض من دون تعمق او دراية، بدافع متدين سطحي مشوه. على العكس هذه الشعارات تحمل في عمقها تهرباً من واجب المسيحية المحب والمضحي والمبادر من اجل خير الشخص والمجتمع.
هل نستطيع ان نكون مسيحيين فقط برفع شعارات رنانة، ولكن جوهرها خبيث؟. الحل الوحيد هو الانضمام الى المسيح عبر الكنيسة، ودخولها اي فهم رسالتها وكيف يساعدها الروح القدس من تأوين رسالتها عبر الزمان والمكان والثقافة والاوضاع والازمات وكيف تتصرف واي موقف تتخذ. من دون هذا الانضمام والمشاركة لا يمكن لاية غيرة على الايمان او الكنيسة ان تكون سليمة وصحيحة.
لا يستطيع ان يقدم من امتلئ قلبه بالحقد نصائح عن المحبة، وكذلك لا يمكن للمسيحي ان يكون غيوراً صادقاً ما لم يتمرن في تعليم الكنيسة، ربنا يسوع يقول: ” اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ. إنجيل لوقا (6 :45). يقول القديس قبريانوس: ” من لم تكن الكنيسة أمه لن يكون الله اباه”.
ان الجو الملوث اليوم بالانتقادات والاتهامات الباطلة وبث احكام واقاويل عارية من الصحة، التي تطفو وتلوث صفاء اجوائنا الروحية بمساعدة الاعلام بكل انواعه ووسائل التواصل او ضمن جلسات بعيدة مكانياً عن الحيز المقدس للكنائس، هذا الجو هو نتيجة هذه السطحية التي نشأت بسبب الابتعاد عن الجوهر الذي هو المسيح الحاضر في الكنيسة. تشتيت نظر المسيحي عن التركيز على هدفه الاساسي هو استراتيجية يستخدمها المجرب الذي يسميه الانجيل بالمضلل، اي من يلهيك عن خلاصك وخيرك بذريعة الدفاع عن الخير. الشيطان اراد ان يشكك يسوع ببنوته لله مستخدما ايات من الكتاب المقدس. وكذلك اليوم لا زالت هذه التقنية يستخدمها.
لا يمكن ان نتكلم عن الكنيسة وكأنها مؤسسة دنيوية ولا الكنيسة ترد كمن ليست كنيسة. على مثال يسوع الذي ضربه الخادم فجاوب قائلا: ” إِنْ كُنْتُ أَسَأْتُ الْكَلامَ فَاشْهَدْ عَلَى الإِسَاءَةِ، أَمَّا إِذَا كُنْتُ أَحْسَنْتُ، فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟” ( يوحنا 18: 23). واجه يسوع ليله تسليمه للموت من اتى للقبض عهليه والذين حملوا السيوف والعصي بكلمة صريحة قائلا: “انا هو” ( يوحنا 18: 5). نستطيع ان نجاوب بالحقيقة لاننا ننتمي اليها وان تطاول علينا سيف اللسان مشوها صورتنا.
الاجواء المكهربة تنفجر بسرعة. فالشحن بالافكار المغلوطة المتكبرة التي لا تعترف بخطئها هو السبب في تطور ازمات نحن في غنى عنها، والاسوأ ان هذه الازمات التي هي داخلية وجارحة ومؤلمة تنشط عندما نواجه ازمات خارجية كبيرة مصيرية. الكنيسة كما يعلمنا انجيل يوحنا هي مثل الشبكة التي مسكت كل انواع السمك ولم تتمزق ( يوحنا 21: 11). الكنيسة تستطيع ان تستوعب كل توجهاتنا المشروعة وتنظمها لتكون في الاتجاه الصحيح من دون ان تلغي شخص لحساب اخر، او تطمس موهبة لمؤمن لتبرز اخرى لغيره. لنكون اسماك ضمن هذه الشبكة لكي ننجذب الى المسيح ونكون بين يديه. من يبقى خارج هذه الشبكة يبقى في متاهات بحر العالم وتقلباته كفريسة للافكار التي تعصف وتحرف سلوكه وصلاحه.