تعد كنيسة مار ميخا النوهدري، من اقدم الصروح العمرانية والحضارية الشامخة بهيكلها حتى الان في بلدة القوس القديمة، والذي جاء بناؤها متزامنا مع حياة مار ميخا نفسه حين قدم الى هذه القرية واستقر فيها عام 414 م. وهو من مواليد قرية بانو هدرا (دهوك) الحالية عام 309 م وكانت تابعة لمعلمثايا انذاك.
وفي عام 415 م بنى مارميخا ديرا وكنيسة له بمساعدة اهل القرية. وثبت وجود دير مع الكنيسة ، وذلك ان الأنبا جبرائيل دنبو (1757 م – 1832 م) كان في عام 1811م قد اتخذ الدير مقرا له ولرهبانه اثر طردهم من دير ربان هرمزد من قبل حاكم العمادية والذي يعد مجدد الرهبنة للطائفة الكلدانية في الدير المذكور.
كانت هذه الكنيسة تشمل ثلاثة هياكل، ازيل اثنان منها بسبب تهدميهما وعدم التمكن من ترميميهما. وأخر تاريخ لتجديد هذه الكنيسة هو عام 1876 م وهو مثبت على لوح حجري فوق كوة ضريح مار ميخا والتي تقع الى الجانب الأيمن من مذبح الكنيسة. وهناك كوة اخرى في الجانب الأيسر منه ، والتي تشمل مدفن لجزء من رفاة النبي ناحوم الألقوشي. ومكتوب باللغة السريانية (خزينة عظام النبي ناحوم) والذي تأكد صحتها، بقيام القس يوحنا جولاغ في عام 1987 م بفتح الكوة المذكورة وبموافقة الكنيسة، وتبين ان هناك مجموعة عظام داخل علبه، فتم إعادتها الى موقعها كما كانت، على وفق ما جاء بكتاب عمانوئيل قيابلو الصادر عام 1988 م بعنوان (مار ميخا النوهدري).
وتشمل الكنيسة الحالية على هيكل واحد بطول 20,5 م وبعرض 7,5 م وبارتفاع جدرانه 7,5 م ويعلو نهاية الهيكل شرقا فوق المذبح قبة كبيرة مغلفة من الخارج بالحجر المنجور، كما مثبت في الخرائط موضحا أسس الكنيسة والمدرسة. تقع كنيسة ومدرسة مار ميخا شمال كنيسة مار كيوركيس على بعد 20 كم تقريبا، ترتبط المدرسة بشمال الهيكل مباشرة شرقا.
وقد شيدت هذه المدرسة عام 1923 م. وهي امتداد تاريخي لمدرسة مارميخا والذي اسسها منذ استقراره في هذه القرية. وكانت في الأزمنة الغابرة ولغاية الربع الأول من القرن الحالي، مركز اشعاع وفكر لكافة صنوف العلوم والمعرفة الى جانب علوم الدين المسيحي واللغة السريانية، وقد تخرج في هذه المدرسة القديمة عمالقة في اللغة والأدب السرياني الى جانب كبار رجال الدين لكنيسة الشرقية سابقا، والكنيسة الغربية لاحقا. وكانت نبراسا للأجيال وللثقافة الدينية منذ الطفولة.
وهناك من ترك ثروة ادبية وخطية كبيرة، ومازالت الأجيال تذكرهم بكل اعتزاز واجلال ، امثال الكاتب العظيم القس اسرائيل رابي رابا (من عائلة شكوانا، 1540 م – 1611 م) وهو اقدم كاتب ومجدد لهذه المدرسة.
والقس دميانوس كونديرا المتوفى عام 1855 م والمطران طيماثيوس مقدسي (1847 م – 1925) وكور كيس الالقوشي الذي عاش في القرن السابع عشر (تاريخ النصارى في العراق ص 147) والمطران توما اودو(1855م – 1915م) وغيرهم ممن تضلع في اللغة والأدب والفلسفة، الى جانب كبار الخطاطين للغة السريانية والذين تركوا ثروة كبيرة من المخطوطات المنتشرة في جميع القارات ومنهم الشماس بولس قاشا (1892 م – 1969 م) والتي بلغت ثروته الخطية (241 مخطوطة) منها (92) مخطوطة كبيرة لم تسجل، ومن قبله عطايا الالقوشي وجماعة اسرتي هومو وشكوانا.
تشمل بناية مدرسة مار ميخا الحالية (مدرسة القوش الابتدائية الأولى سابقا) على ستة غرف متتابعة تكون زاوية قائمة فتحتها باتجاه الجنوب، اي ضلعاها من الشرق الى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، مبنية بالحجر والجص وعلى شكل عقادة، امامها رواق بعرض 2,70 م مشيد على احد عشر عمودا من حجر الحلان، تنتهي باقواس من نفس الحجر. ترتفع أرضية الغرف والرواق عن ارضية فناء المدرسة بنحو 5،1 م. يرتبط الرواق بفنائها بدرج حجري جنوبا وبدرج أخر مماثل غربا، وبعرض الرواق. والمدرسة مغلقة السياج من جميع الجهات.
وهناك غرفتان من الجهة الغربية من الكنيسة شرق المدخل الرئيس للمدرسة مباشرة واحدة أرضية وأخرى فوقها. كما ان هناك غرفة اخرى في الجهة الجنوبية الشرقية للكنيسة، مع فناء صغير وباب خاص أخر ذات اطار حجري ولوحة تاريخية باللغة السريانية حديثة التركيب، تشير الى تاريخ بناء هذه الباب وتفتح ايام اقامة الصلاة في الكنيسة. وكانت هذه الغرف تستخدم كصفوف ضمن المدرسة المذكورة.
اما غرف الضلع الشمالي من الزاوية، فقد جعلت اثنتان منها قاعة تقام فيها التعازي، وباقي الغرف تستخدم صيفا للتعليم المسيحي واللغة السريانية للراغبين بالتعليم، بشكل دورات محدودة الزمن.
وهناك حدث مهم وقع في عام 1936م فبينما كان البناء اسحق حنا زرا يوجه العمال بقياسات معينة لحفر الأسس للغرفة والجدار الخارجي المطل على الشارع الجنوبي، وزاد الحفر عمقا واتساعا بغية الحصول على تربة لأرضية قوية صالحة لإقامة الأسس عليها، عثر العمال على سراج فخاري ( خزفي ) ذي لون اخضر لماع مائل لى الزرقة مزجج. وكان السراج على شكل كف إنسان مقعر من الوسط معوج الحافيتين الأماميتين نحو الداخل على شكل انبوب مفتوح من الأعلى، وفي الخلف حلقة صغيرة تكفي لإدخال إصبع بها ومسكها، فجلبها البناء اسحق إلى داره مساء وفي ساعة متأخرة من الليل، قدم المرحوم القس ابلحد عوديش وتسلمها قائلا انها (انتيكة) لقية أثرية يجب ان تحفظ في الكنيسة، وهو ما يثبت ان اهالي القوس قد عرفوا صناعة الخزف والأواني الفخارية المنزلية وبدرجة متقنة منذ زمن قديم، وكنت في الثالثة من عمري، وان احدى اخواتي المدعوة استير تذكر معي الحادث وهي اكبر مني بأربع سنوات لكوننا اولاد البنّاء اسحق حنا زرا.
منقولـ