اليهود ومرقد النبي ناحوم

Khoranat alqosh14 أبريل 2009408 مشاهدةآخر تحديث :
اليهود ومرقد النبي ناحوم

نبيل يونس دمان
في كل عام ، كان النشيد يتصاعد هاتفاً في سماء القوش ( بالتوراة وبالنبي ، نبي ناحوم القوشي ) و نستهل موضوعنا من صداه في نفوسنا ، عن شخصية تاريخية ودينية ، تعود اصولها الى بلدتنا والى الطائفة اليهودية ، التي عمرت في العراق منذ العصور الوثنية ، اي ما قبل مولد المسيح ملك المجد . معنى كلمة ناحوم هي المعزي ، والاسم يرد في الإنجيل المقدس ضمن الأنبياء الصغار ( وِقـْرُ نينوى . سفر رؤيا نحوم الالقوشي . نحوم 1 : 1 ) ، هناك تفسيرات متباينة عن أصل النبي ، إن كان من القوش آشور، او من الجليل الأعلى بفلسطين ، عِلما بأن القوش الثانية اندثرت من الوجود . لكن المؤرخين وعلماء الاستشراق ومنقبي الآثار يرجحون كفة القوش آشور كون نبؤته تنطبق على إنسان عاش بالقرب من نينوى وعرف كل معالمها وحتى الطبيعة المحيطة بها ، حين كتب يقول ( ونينوى كبركة مياه منذ كانت . نحوم 2 : 8 ) . المؤرخ القديس هيرونيموس من القرن الرابع الميلادي ، نسب ناحوم الى القوش في الجليل قرب عماؤس بفلسطين . وهناك اعتقاد اخر بان مولده في ( كفرناحوم ) وبالعبرية بمعنى بلدة ناحوم ، وقد كان اسمها في السابق القوش ، وتيمنا به غدا اسمها كفرناحوم . كل ما ذكر من آراء واختلافات نتجت من عدم وجود تفصيلات بهذا الخصوص في الكتاب المقدس الذي هو المصدر الرئيسي ، لكنها دون استثناء تضع الأولوية في القوش ببلاد آشور.

نرتكز في موضوعنا على واقع وجود قبر النبي في أرض القوش منذ عشرات القرون ، حيث يزور اليهود ذلك الصرح من مختلف أنحاء العراق والعالم ، فزيارته من الواجبات الدينية الهامة ، ويقدس المكان المسيحيون والاسلام ايضا ً ، منذ العصور السحيقة ، وعلى الدوام كانوا يقدمون له النذور ، ويشعلون الشموع التي كانت تضيء هيكله ومقامه المهيب ، ويأتون بمرضاهم طالبين عونه في الشفاء . ويعتقد على النطاق المحلي بان ناحوم هو سليل عائلة مسبية من أيام ملوك نينوى الاشداء الذين اخضعوا العالم القديم لسيطرتهم العسكرية والسياسية ، ان تسلسل الملوك الذين أخضعوا شعب اسرائيل واحتلوا مدنه وخربوا دياره وسبوا الجزء الأعظم من سكانه الى نينوى ، هم على التوالي : تغلات بلاصر( 744 – 727 ق. م . ) ، شلمناصر ، سرجون ، سنحاريب ، أسرحدون ، آشور بانيبال .
وأكبر سبي حدث في التاريخ بقيادة الملك البابلي نبوخذنصر( 605 – 562 ق. م . ) حيث خرب هيكل سليمان ، وأسِّر ملك اليهود ( صدقيا ) . لذلك تجمع معظم المسبيين في بابل والمدن التاريخية في جنوب بلاد النهرين ، فعملوا في الزراعة ، وزرعوا الاشجار ، وعمّروا المدن ، وأشتغلوا أكثر في التجارة وإنتهى الامر بتجارتهم التي كانت تستند الى الجرأة والمغامرة ، ليصلوا الى شواطئ الهند وأعماق الصين ، حيث كلما إزداد إضطهادهم ، كلما تغلغلوا في اراض ٍ وبلدات اخرى مثل : عيلام ، ضفاف الخابور، أقاصي الموصل ، الرقة ، حران ، الرها ، أمد ، سنجار ، وأربل . وفي عهد الملك الفارسي كورش ( 539 ق.م ) سمح للآلاف منهم بالعودة الى ارض اجدادهم ، فبنوا هيكل سليمان الحكيم الذي استغرق بناءه 47 عاما ً.

لم تزدهر أفكار الشريعة عند الكهنة واللاويين ( نسبة الى لاوي ابن يعقوب ) ، إلا في بابل ( ان بابل كأس ذهب بيد الرب تسكر كل الارض . من خمرها شربت الامم . أيرميا 51 : 7 ) ، ويعتبر التلمود البابلي بقسميه : غمارا ومِشنا ، أعظم شأنا ً من التلمود المقدسي . ولا ينسى وجود رابط زمني بين المشرع البيث نهريني الملك حمورابي وموسى الكليم ، الذي أمضى مع شعبه أربعين عاما ً في صحراء سيناء ، قبل ان يشق طريقه الى الارض التي تدر عسلا ً ولبنا ًفي فلسطين ، بعد معاناة طويلة في ظل الاضطهاد الفرعوني . لو تتبع أحفاد مؤسسي الأديان الثلاثة التوحيدية تعاليم الاديان وجذورها لاكتشفوا قوة العلاقة بينها ، لم تكدر صفوها الا المصالح الضيقة ونزعات السيطرة ، كم تتقارب اللغة العبرية مع العربية والآرامية التي جميعها من عائلة لغوية واحدة هي السامية ، وعشيرة ابراهيم الخليل ( أنت الرب الإله الذي اصطفيت أبرامَ وأخرجته من أور الكلدانيين وجعلت اسمه إبراهيم . نحميا 9 : 7 ) دعيت في التوراة بالعبريين ، نسبة الى جدهم الأول الذي عبر نهر الفرات .

تدفقت الموجات الاولى للبشرية من جنوب العراق والجزيرة ، لتصل الى منطقة الهلال الخصيب ، فأمتزجت فيها أجناس متعددة ، لذلك تراودني الشكوك ، الادعاء ان التجمعات البشرية هناك صافية ، من أصل واحد ، وتعود الى عنصر مختار دون غيره . ان مغادرة عشيرة أببنا ابراهيم ، أرض شنعار الى أرض الكنعانيين كانت بأمر الرب ، وكان أولاده واحفاده من بعده ، يعودون ليتزوجوا من بنات بلاد النهرين ، وأهمهم في هذا الامر يعقوب ( اسرائيل ) ابن اسحق وزوجاته الآراميات ( ليـّه وراحيل ) فتشكل ذرية كل هؤلاء ، وعلى توال ِ العصور من جذر أرض السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين ، أما الكلدان (كسديم ) فقد نشأوا في جنوب بابل وكانت حاضرتهم ( بيت ياكين ) ، ولم تعم تسميتهم بالكلدان الا في عهد نبوبلاصر ونبوخذنصر حيث بلغت حضارتهم في تلك الفترة أوجها ، لكنها سرعان ما خبت مع وفاة الملك ، ومجيء اولاده واحفاده الضعفاء فضاعت معها الممالك القديمة وحتى اليوم ، ليحل محلهم الغرباء من الفرس واليونان والرومان والأيلخان والترك .

وصلت مجاميع كبيرة من اليهود الى بلادنا في سني السبي الآشوري والبابلي ، واستخدمها الأحرار في الزراعة وبناء القلاع والأسوار في المدن القديمة ، كانت القوش واحدة منها ، حيث يشكل موقعها الحصين أمام سلاسل الجبال ، قلعة متقدمة لحماية نينوى عاصمة الدنيا القديمة ، وكان ظهور ناحوم الذي ولد لأب إسمه ألقـْون ، علامة بارزة في تخليد البلدة وربط حاضرها بذلك الماضي الموغل في القدم ، فتربى في كنف عائلة السبي ، مع اخته سارة التي مثواها اليوم في كوخ بجوار المزار في القوش ، ودرس في بيوتات اليهود الدينية الموجودة آنذاك ، وطرح نتيجة دراسته وتعمقه في واقع شعبه ، أمنيات على الورق ، أصبحت فيما بعد نبوات تحققت ، في سقوط نينوى العظمى عام 612 ق.م ومدينة نوأمون ( الطيبة ) المصرية 663 ق. م. ( فكل من يراك يعرض عنك ويقول قد دمرت نينوى فمن يرثى لها ومن اين اطلب لك معزين ، هل انت خير من نوأمون الساكنة بين الانهار … نحوم 3: 7 : 8 ) . كم تؤشر هذه الصورة ، الى عمق دراسة ناحوم عن نينوى ، والأنهر التي تصب فيها مثل الخوصر، وكم كانت تلك الأنهر خطرة على نينوى في موسم الفيضانات ، رغم الاستحكامات والنواظم التي عززت على مدى القرون * .

كانت تشغل ناحوم مسألة انعتاق شعبه ، وفكهم من قيود الأسر والعبودية ، ليعودوا الى أرض أجدادهم في يهودا واسرائيل وجبل صهيون ، كانت رؤياه عن زوال مجد نينوى في بعض نصوصها تقول ( ويل لمدينة الدماء الممتلئة بأسرها كذبا ً وخطفا ً التي لا تفارقها الفرائس ، هوذا صوت السياط وصوت زلزال الدواليب والخيل الجاثلة والعجلات الطافرة . نحوم 3 : 1 : 2 ) . اليهود في كل أرض بلاد ما بين النهرين ، لم يركن لهم قرار في البقاء ، سوى لاستغلال الفرص ، استثمارالأموال ، رسم الخطط ، وارتياد كل السبل ، للوصول الى أهدافهم في العودة الى أرض أجدادهم ، لذلك لم يتآلفوا مع بلادهم الجديدة ( يا ابنة بابل الصايرةَ الى الدمار ِ طوبى لمن يجزيك ما كافأتنا به ، طوبى لمن يمسك أطفالك ِ ويضرب بهم الصخرة َ . المزمور 136 : 8 : 9 ) .

حدثت هجرات معاكسة من بابل الى اسرائيل ، أهمها كانت بقيادة زربابل ، وخير من نظمها وكتب أسفارها الكاهن نحميا والكاتب عزرا ، اللذان دونا القوانين الدقيقة في الشريعة الموحى بها فيما مضى لنبي الله موسى ، كل القرائن تشير الى ان المسبيين ، كانوا من خيرة طبقات الشعب اليهودي من كتبة وكهنة وشيوخ ولاويين ، اما العائدون أيام ملوك الفرس ( كورش ، داريوس ، ارخشاد ) ، فكانوا من الناس العاديين الذين لا يزاولون الاعمال المجدية ولا يمتلكون الاموال لاستثمارها ، لذلك فان كتبة التلمود البابلي والادب العبراني يعد افضلهم في بابل . يقول الكاتب العراقي المعروف يوسف رزق الله غنيمة ” ان الآداب التي انتجها العبريون في عهد ساداتهم في سهول الفرات ودجلة ، كانت في بعض الاعتبارات من أبدع ما كتبه الشعب الصغير ” . ومن الآيات التي تخلد المسبيين ، التي فيها من البلاغة وفيض المشاعر ( على أنهار بابل جلسنا فبكينا عندما تذكرنا صهيون ، على الصفصاف في وسطها علقنا كنانيرنا . مزمور 136: 1 : 2 ) وكم كانوا شديدي التمسك بأرضهم ومعتقدهم ، عندما طلب أهل بابل منهم ان ينشدوا ويغنوا ، فكان جوابهم ( كيف نرنم ترنيم الرب في ارض غريبة . المزمور 136 : 4 ) .

مرت على الطائفة اليهودية في العراق ظروف انتابتها ايام مضيئة وأخرى مظلمة ، شأنهم شأن اقوام العراق الأخرى التي شهدت الحالات نفسها عبر الحقب الزمنية ، وحتى نصل الى القرون الحديثة فقد استمر اليهود في وجودهم كباقي سكان العراق .غداة دخول الانكليز بلادنا جرى إحصاء للسكان فكان عدد اليهود ( 87487 ) . في عام 1941 شنت وزارة رشيد عالي الكيلاني المتعاطفة مع النازية ضغوطات شتى ضد اليهود تتوجت بحملة ( الفرهود ) المعروفة وأدت نتائجها من قتلى وفقدان الممتلكات ، الى تخلخل وضعهم وبالتالي أصبحوا أكثر تقبلاً لفكرة المنظمات الصهيونية العالمية ، وفي عام 1947 كان عددهم في حدود 137 الف ، وعند انشاء دولة اسرائيل عام 1948 ازداد الاضطهاد ضدهم ، كما ونشطت وضغطت المنظمات اليهودية العالمية ، باتجاه اجلائهم ليس من العراق فحسب بل من دول الشرق الاوسط وافريقيا ، هكذا غادر غالبيتهم العراق ( اكثر من مئة الف ) ليبقى فقط المئات وفي بعض المدن ، وعند مجيء البعث الفاشي الى الحكم عام 1968 كان أول عرض دموي له تعليق جثث بعض اليهود الى جانب عراقيين من مختلف الملل في ساحة التحرير مدعيا ً تجسسهم لاسرائيل ، وقد حاكمتهم محكمة عسكرية برئاسة المقبور طه الجزراوي ، كان ذلك بتاريخ 27- 1- 1969 . آخر مصيبة عصفت بهم كانت في أواخر التسعينات من القرن الماضي ، عندما تعرض كنيسهم في البتاوين ( قرب حديقة العلمين ) الى هجوم رجل فلسطيني مسلح ، فقتل اثنين من المسنين اليهود وحارسا ً مسلما ً . اما اليوم فباق منهم فقط 28 شخصا ً ، يتركزون في بغداد ، ان أعمار نصفهم تجاوزت السبعين ، وكان آخر زواج تشهده الطائفة عام 1978 . إذن تقترب شمس اليهود للمغيب كليا ً عن العراق حيث مثوى أجدادهم ومهد لغتهم وأرض سبيهم .

دعنا نعود الى الكلام عن رفات النبي ناحوم التي كانت مدفونة في مرقده ، فكما هو معلوم قدسية المكان من قبل أهل القوش المسيحيين، ويعتبرون أنفسهم حماة المكان وورثته ، كون الراقد هو ابن بلدتهم ، لكن اليهود في العصور المتاخرة وأثناء حكم الدولة العثمانية لبلادنا الذي استمر أكثر من خمسمائة عام ، رفعوا دعوة في اسطنبول عن أحقيتهم في المكان وفي النهاية اي بعد ثلاث سنوات من المرافعات خسر أهالي القوش الدعوة ، كان ذلك في حدود عام 1650، وعندما تناهى الخبر الى أسماعهم ، تسلق عدد من الشباب جدار المعبد ونبشوا قبر النبي فأخرجوا عظامه ووضعوها في إناء خزفي وحفروا لها مكانا ً في الجهة الجنوبية من هيكل مار ميخا النوهدري ، ودفنوها هناك ، وكان مبررهم الخوف من ان ياخذ اليهود الرفات الى جهة اخرى ، وظلت هناك الى اليوم ، والدليل في عام 1987 اتخذ ت الكنيسة خطوة لفتح المكمون في المكان المذكور، وكان المبادرون كل من المطران عبدالأحد صنا والقس هرمز صنا والقس يوحنان جولاغ ، وفتحت أدراج الجهة العليا لتظهر عظام المعلم الشفيع مار ميخا ، وفي الجهة المقابلة عظام النبي ناحوم ، وبقيت معروضة للاهالي لمدة اسبوع ، ثم اعيدت الى مكانها بمراسيم دينية وبجموع حاشدة من المؤمنين وهي تتضرع الى الرب وبشفاعة القديسين ان يوقف النزيف على الجبهة العراقية – الايرانية .

مر كثير من السياح على ضريح النبي ناحوم وكتبوا عنه مثل بنيامين القطيلي عام 1173 الذي ذكر في البداية بان الكنيس من أعمال الموصل ، ثم كتب انه جنوب بابل ، وبنيامين الثاني ( يوسف اسرائيل 1818- 1846 ) حيث بحث عن الاسباط العشرة المفقودة ، ثم كتب عن النبي ناحوم الذي ضريحه في القوش ، وبالمناسبة قال ان سكانها من الأرمن ، ربما حدث خطأ مطبعي لتقارب الكلمتين الأرمنية والآرامية وكان يقصد الثانية ، وهنري لايارد المستشرق والدبلوماسي والمنقب البريطاني المعروف ، الذي زار القوش عام 1846 ، كتب ما يلي ( القوش هي قرية آشورية ذات أهمية – في الماضي نسطورية والآن رومانية – كاثوليكية . التقاليد القديمة السائدة هنا تقول بوجود ضريح النبي ناحوم القوشي فيها ، كما جاءت تسميته في مقدمة نبوءاته . ينظر المسيحيون والمسلمون الى هذا المزار على حد سواء بعين من الاجلال ، وهيبته كبيرة خاصة عند اليهود الذين يعتنون به وفي فترات معينة من السنة يحجّون اليه أسرابا . اما الضريح فهو عبارة عن صندوق متواضع من الجبس ، مغطى بقماش أخضر اللون تبدو علية آيات توراتية مختلفة مع تواريخ وملاحظات عن زيارة الضريح من قبل العائلات اليهودية ، مكتوبة بأبجدية عبرية غير واضحة ، بينما المبنى الذي يضم الرفات فله طراز عصري بحت ويخلو من أية كتابات ، ولا يحوي أي عبارة لها علاقة بالعصور القديمة ، لا اعرف شخصيا مصدر هذا التقليد وليست عندي فكرة ، منذ متى له علاقة بقرية القوش) . كتب القس ويكرام عن المرقد في كتابه – مهد البشرية – عندما زارالمنطقة في حدود عام 1911 ما يلي ( القوش مكمن صغير بائس لكن – كنيسها – يفخر بمزار شهير هو قبر النبي – ناحوم – الذي يتمتع هو ايضا بمنزلة من القداسة لا تقل عن مزار – يونان : يونس – بوصفه ولياً من اولياء المسلمين . على ان مفسري التوراة عموما يؤكدون بان – القوش النبي ناحوم كانت في فلسطين – لكن الرواية المحلية تصر بانها القوش الآشورية . ويحج اليهود سنويا ً ويزورون القبر . على كل حال فان المسألة تحتمل الأخذ والرد . فناحوم هو من ابناء السبي وهو لاشك يعرف نينواه خيرا ً مما يعرفها اي ساكن من سكان فلسطين ) .

من أهم مزارات اليهود في العراق :
1- مرقد النبي ناحوم في القوش- شمال نينوى بمسافة 30 ميلاً .
2- قبر عزرا او العزير ، بين القرنة والعمارة .
3- مدفن النبي حزقيال او ذي الكفل ، قرب الحلة . الذي شيده ملك اليهود يهوياكيم .
4- مرقد يوشع كوهين بجانب الكرخ – بغداد .
5- مرقد الشيخ اسحق الغاووني ، بجانب الرصافة – بغداد .
اشتهر من اليهود :
في العصر الجاهلي الشاعر( السموءل بن عاديا ) وهو القائل عن ابراهيم الخليل ما يلي :
فهذا خليل ٌ صيَّر الناس حولـه رياحين جنـّات الغصون الذوابل ِ
وهذا ذبيح ٌ قد فداه بكبشـه براهُ بديهاً لا نِتاجَ الثياتــل

وقال الأعشى يمدح السموءل :
كن كالسموءل اذا طاف الهمام به في جحفل كسواد الليل جــرار

وبرز ايضا في زمن الأيلخانيين – التتار يهودي اسمه ( امين الدولة ) حيث اصبح حاكما ً على الموصل . وفي القرن العشرين ساسون حسقيل ، الذي اختير نائبا عن بغداد عام 1908، وبين ( 1920- 1923 ) اختير وزيرا للمالية وكان أكفـأ وزراء العراق آنذاك . كما انخرط في الحركة الوطنية العراقية أعداد من اليهود ايام الحكم الملكي ، وكان اول وطني يسقط في المظاهرات شاؤول طويق (1926- 1946) ، كما استشهد ساسون شلومو دلال عام 1949 بتنفيذ حكم الاعدام فيه . ومن الوجوه الوطنية ، الكاتبة سعاد خيري ( سعيدة ساسون ) ، والمؤرخ المعروف مير بصري الذي توفي مؤخرا في العاصمة البريطانية لندن ، والأديب الاسرائيلي سمير النقاش المولود في بغداد عام 1929 ، ففي حوار أجري معه عام 2000 ، في مجلة الثقافة الجديدة قال ما يلي ( في صيف 1948 سافرنا الى الموصل لنصيف شهرا ً ، كان الحر شديدا ً …. مكثنا شهرا زرنا خلاله حمام العليل و مرقد النبي يونس ، وزرنا مرقد النبي ناحوم في القوش حيث يتكلمون الارامية الجبلية) . في اكتوبر عام 2003 زار القوش الميجر جابلين ونشر مقالة في وكالة – جورَسليم بوست ، فالى مقتطفات منها ( اسمع الارامية في شوارع البلدة ، سألنا عن قبرالنبي ناحوم … انهمرت الدموع من عيوني عندما اقتربت من الضريح … اخبرني الاهالي بان تحت حكم صدام الكثير من الكتابات العبرية المحفورة قد طليت. وقالوا حاولنا تصليح وتنظيف ما استطعنا . بعدها أروني قطعة حجرية عليها كتابة بالعبرية كانت قد سقطت من الجدران ، واعادوها الى مكانها . لم يكن لي مزاج ،لاخبرهم بانهم وضعوها بالمقلوب ).

في كل عام ، كان يحل موسم زيارة الضريح ، الذي يستمر اسبوعاً ، حيث يتوافد الى البلدة مئات من اليهود من مختلف مناطق العراق والدول المجاورة ، في قديم الزمان كانوا يأتون قوافلا ً ، اما في النصف الاول من القرن العشرين فباستخدام السيارات والباصات الخشبية ، التي كانت تحمل شعاراتهم واسم المكان الموفد منه مثل ، يهود الموصل ، بغداد ، البصرة ، زاخو ، دهوك ، عقرة ، السليمانية ، راوندوز وكثير غيرهما . علما بانهم كانوا لوحدهم يمتلكون قريتين في شمال نينوى ، تقع إحداهما شمال سد دهوك إسمها ( سندوري) ، والثانية واسمها ( بي تنوري ) التي يترادف اسمها مع قرية دوري المسيحية المجاورة وتتبعان حاليا ناحية كاني ماسي ( ايند نوني ) .

كانت تتم الاحتفالات الدينية داخل المجمع المحيط بالهيكل ، فيقرأ الكهنة اليهود التوراة ثم يدورون حول قبره منشدين ، ويخرجوا الى الفناء قاصدين قبر أخته البتول ساره ، وعند انتهاء المراسيم الدينية ، يبرح موكب حاشد من الجنسين باتجاه سفح الجبل ، وهم في أجمل أزيائهم وأفضل حليهم ( كل منطقة لها ازياؤها الخاصة وكذلك اللغة التي تتكلم بها ، فيهود سندور وبي تنوري وزاخو واتروش ودهوك ، يتكلمون السورث ( السريانية الشرقية ) اضافة الى اللغة الكردية ، اما يهود الموصل وبغداد فيتكلمون العربية ، والذي يأتي من تركيا بالتركية ومن بلاد العجم بالفارسية . بهذه المناسبة أود الاشارة الى ان اليهود العراقيين كانوا يتكلمون الآرامية حتى زمان حكم الدولة العباسية حين تحولوا الى الللغة العربية .
كان أطولهم قامة يحمل الراية ( آخر من حملها كان اسمه شلومو ) ويتقدم الموكب شمالا ليمر امام مركز شرطة البلدة ( قشلة ) ويسير باتجاه وادي كهف المياه ( كپد مايه ) ثم يرجع وهم ينشدون أناشيدهم الدينية ، على أنغام المعازف والدفوف ، وأبرزه حفظ لحنه ومقاطع منه اهالي القوش هو ( بالطوراة وبالنبي ) وبالمناسبة لقد وضع الشماس يلدا أبونا ، مقتبسا بعض كلماتها ومعانيها من نشيدهم ، قصيدة على نفس اللحن مطلعها :
هاليلو موشِه وناحوم وساره وأيليـــا **
ساره خاثد ناحـــوم ألقشنايا نويـّـــا
مريم خاثد هــارون كمنجه بمخايــا
كمخالصلا مريــــا من أيذا دمصرايا

تقطع المسيرة الحاشدة ، مسافة قصيرة بعد خروجها من الوادي ، لتستقر في ساحة بين مستجمعي مياه الامطار ( خـَبرا ) العليا والسفلى ، هناك ينتظم رقص جميل وعلى أنغام المزمار والطبل ، يشترك فيه اليهود بشكل اساسي ، اضافة الى شباب وشابات القوش في ألفة ومحبة ، لم تتخللها المشاكل الا نادرا ً . يستمر الاحتفال والرقص والشرب والدبكات على مدى اسبوع ( من السبت الى السبت ) .وعلى ذكر السبت كان آخر ما قاله اليهود في زيارتهم الاخيرة التي سبقت هجرتهم الى فلسطين ، الآن دورنا وغدا دوركم ألا يأتي الأحد بعد السبت ؟ أي ان المسيحيين سيهجرون أرضهم ايضا ، فهل يمتحن الزمن تلك النبوءة ؟ . عندما جابههم بعض الناس بانهم سيتركون النبي خلفهم ، فهتف بعضهم قائلا ً ( النبي قدامنا ) اي ان النبي ناحوم سيصل قبلهم الى الديار. إستأثرت احدى الاغاني التي كان يرددها اليهود في القوش باهتمام شباب البلدة فحفظوا كلماتها حتى اليوم ، مطلعها باللغة الكردية :
يك بلـّه ، دو بلـّه ، سي بلـّه لاوه . ***
سه رْ سَري باوكي ورا مالامــه .
چما چيخانه بَفره وبارانـــه .
عَسكريَّه خوشه وتعلومة گرانـه .

حاليا يغني تلك الاغنية باللغة السريانية المطرب اليهودي المعروف اسحق كالو ( أصله من زاخو ) الى جانب أغان ٍ أخرى ومنها اغنية ( خجي – سيامند ) الذائعة الصيت ، والتي تدور احداثها في جبل ( سيپان ) – تركيا ****. ومن المغنين اليهود الذين اشتهروا في الغناء باللغة العربية يوسف جوريش . ثم اشتهرت اغنية في الموصل انذاك التي صاحبها جوق ( الدقاقات ) من حاملي الدنبك والدف والنقارة ومطلعها :
عفاكي عفاكي على فند العملتينو انا تعبتو انا اشقيتو على الحاضر أخذتينـــو
نزلتينو عالسرداب طعمتينو كفته وكباب سقيتينو عرق واشرب سكرتينو وأخذتينو
شفتينو ولد عالكيف توسلتي بأبو أوسو نيمتينو جوة اللحيف بفنودك قنعتينـــو
شفتينو عالمودة جوزتينو جوة الأودة نيمتينو على القريولة بفنودك قنعتينـــو

اما سدنة الهيكل والقائمون عليه ، فقد عرف منهم ( شبّو) وبعده ( موشي ) المولود في السليمانية ، وعائلته المتكونة من الزوجة سعيدة والابناء : أكبرهم عزرا ( 1917 – ؟ ) ثم ناجي والبنات ملكية ( 1926- ؟ ) وزكية وسارة ، بقوا في القوش كجزء من اهلها حتى رحيلهم حوالي 1950 الى اسرائيل ، كانوا يتكلمون السريانية كباقي عوائل القوش ، ويسكنون في المنزل المقابل للهيكل ، وقد كان بيتا ً واسعا ً ، يمتلئ بالزوار كل عام ، اضافة لسلسلة الغرف المبنية في الطرف الاخر من الهيكل . كان موشي يمتلك دكانا في سوق البلدة ، اضافة الى واجبه في اشعال الشموع حول مرقد النبي المغطى بالناؤس الأخضر ، والمحاط بسياج معدني جميل ، ومعلقة فوقه بعض الكتابات باللغة العبرية ، اضافة لتسجيل الزوار ذكريات زياراتهم على الحيطان الأخرى التي تتخللها النوافذ المزخرفة الواسعة والجميلة في الجهة الشرقية من الهيكل . وبعد مغادرة العائلة الى اسرائيل ، شغل مكانهم في خدمة المكان المقدس بيوتات كادو المحيطة بالمرقد ، منهم الياس ، موسى ، وآخرهم كان الشماس هرمز وعائلته . بعد ذلك تدهور حال الهيكل من سيء الى اسوأ ، حتى اصبح اليوم اشبه بالأطلال ، حيث تساقط جزء من سقفه ، وانهارت بعض حيطانه ، وبانتظار ايدي البناء التي تمتد اليه حتى يرجع الى سابق عهده ، كمكان مقدس ، وهدفا ً للزائرين من مختلف الأديان ومن مختلف البلدان ، ومعني أكثر بأيلاء الإهتمام اليه ، مراجع الطائفة الموسوية في العراق او الشرق الاوسط .

تمازجت الكثير من العادات والتقاليد بين اهالي القوش واليهود ، لا زالت حتى اليوم تعتقد ان العديد من الأسر تعود الى اصول يهودية ، فأهالي القوش قبل تنصرهم في القرون الاولى للميلاد كانوا اما وثنيين او يهود ، وتيمنا ً بتلك الأواصر ومحبة الأيمان المتأصلة كانوا حتى قبل قرن فقط يسمون العديد من اولادهم باسم موشي او ناحوم او سارة ، ومن عشيرتي كان لنا ناحوم واخوه موشي أولاد پولا ككميخا دمان ، وفي بداية القرن العشرين اقترن اسماعيلو قودا أحد ابناء القوش ، بفتاة يهودية اسمها ( سپّورة ) أنجبت العديد من الابناء وسمت أحدهم موسى ، وحتى قبل مجيء البعث الى السلطة عام 1968 ، كان العديد من أسماء الألقوشيين : اسرائيل او حسقيال ، وقد أجبرتهم سياسات السلطة التعسفية والعنصرية على تغييرتلك الاسماء من اسرائيل الى اسماعيل ومن حزقيال الى حازم ، فتأمل عزيزي القارئ ما تحملناه في زماننا والأكثر ما تحمله آباؤنا وأجدادنا عبر التاريخ من ظلم وإستبداد .

توالف وتطبع أهالي القوش مع اليهود فحفظوا أغانيهم وعرفوا تقاليدهم وعاداتهم ، ومن طقوسهم الدينية اجلالهم يوم السبت ، فكانوا لا يعملون فيه الى درجة يمتنعون عن اشعال ولو عود ثقاب واحد . مثل باقي الأقوام يتبادلون السجع من الكلام وأحيانا يستفز قليلا ً ، كقول أهالي القوش وباللهجة الموصلية ( يهودي باق العودي ) بمعنى يهودي سرق العصا ، فيجاوبه الفريق الآخر بالقول ( نصراني باق حصاني ) فيغمر الضحك الجميع . كما هو معلوم من تاريخنا الديني عن صلب المسيح من قبل اليهود التي كانت بارادة الرب ، فعند اقتراب المناسبة السنوية لتلك الحادثة التي تخترق بعمق مشاعر المسيحيين ، كان بعض الصبية يتصرفون بشكل خاطيء لا ينسجم ابدا ً مع توجهات أهاليهم ، في رمي بعض الأحجار على بيت سادن المرقد الطيب اللطيف موشي ، فيخرج أحيانا من طوعه ويشتط غضبا ً فيصرخ قائلا ” نحن صلبنا المسيح مرة واحدة ، وانتم تصلبوننا كل يوم ” عند ذلك وحال سماع الكبار لصراخ موشي ، ينهرون الأولاد ويلومونهم على تلك الأفعال غير اللائقة.

كم ذرف أهالي القوش الدموع ، فامتزجت مع دموع تلك العائلة التي أرغمت على ترك وطنها ، وهم يودعونها الى اسرائيل ، أتذكر عندما عادت جدتي ( شمّي ) من زيارة القدس عام 1966 ، أخبرتنا بأنها من وراء الجدار الفاصل شاهدت العوائل اليهودية ، فأخذت تنادي باسماء من فارقتهم لمدة طويلة ، موشي ، مجودّة ، سعيدة ، إلياهو، مُلكية وغيرهم ، ولكن لم يسمعها أحَدٌ .


مصادر الموضوع
1- الكتاب المقدس
2- نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق . يوسف غنيمة ، بغداد 1924 .
3- البحث عن نينوى ، تاليف هنري لايارد ( 1817- 1894 ).
4- النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية . الاب لويس شيخو اليسوعي – 1924 .
5- بغداد القديمة . تاليف عبدالكريم العلاف ( 1869- 1917 ) .
6- مهد البشرية ، الحياة في شرق كردستان . تاليف دبلبو . اي . ويكرام ، ادكار . تي واي ويكرام – ترجمة جرجيس فتح الله – بغداد 1971 .
7- القوش عبر التاريخ- تاليف المطران مار يوسف بابانا – بغداد 1979.
8- الثقافة الجديدة عدد/ 294 .
9- افواه المسنين .
10- تقارير صحفية ومواضيع من الانترنيت .

الهوامش
* تشاء المصادفات ان أكون في الجانب الأيسر من دجلة عندما فاض الخوصر ، في أواسط اذار عام 1974 ليغمر بيوتنا بالماء ، فأمضينا ليلة ليلاء على سطح المنزل .
** معنى الانشاد بالعربية كما يلي :
اهتفوا لموسى وناحوم وسارة وايليا – سارة أخت ناحوم النبي الالقوشي – مريم أخت هارون بيدها الكمان – خلصها الرب من أيادي المصريين.
*** محاولة في ترجمة الاغنية :
اول بلـّة ، ثاني بلة ، ثالث بلة فاخر- على رأسي ابويه تفضلوا الى بيتي – ذهب الى المقهى ومن السماء ينهمر المطر والثلج – العسكرية ضرورية ، لكن تدريبها شاق .
**** قصة ( خجي – سيامند ) من التراث الكردي ، جميلة ومؤثرة ، من الممكن اختصارها وكما يلي : سيامند شاب وسيم ، اختطف حبيبته خجي من القرية ، وهي في عمرالزهور ، وصعد بها الى جبل سيپان ، هناك طارد وعلا ً ( نيري ) وعندما طال رجوعه ، شرعت خجي تبحث عنه ، لتراه معلقا على غصن شجرة ( السپندار ) كان النيري قد دفعه اليها . وفشلت جميع محاولاتها في إنقاذه ، غـَنـّيا لبعضهما ما يعجز اللسان عن وصفه ، حتى تفجرت عواطفها ، فرمت نفسها باتجاه حبيبها ، وعندما اصبحت معه فوق السبندار ، ومن جراء الثقل الاضافي ، انكسر الغصن وسقط كلاهما في النهر بأسفل الجبل .

nabeeldamman@hotmail,com

ملاحظة : الموضوع هو احد فصول كتابي الموسوم( حكايات من بلدتي العريقة) المطبوع عام 2008.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل!