نزار ملاخا – الحلقة الثانية
ألقوش تلك القرية الموغلة في التاريخ، القوش هذه القصبة القديمة الحديثة، ألقوش التي جاء ذكرها في الكتاب المقدس لمرات عديدة ، وتحديداً في سفر ناحوم النبي، ألقوش التي طاب لهذا النبي أن يسكن فيها ويتفيأ بظلها ، لذا أختارها معبداً له لتقديم صلواته لله عز وجل ، قبل بزوغ الفجر وحتى المساء ، في ألقوش كتب هذا النبي نبوءته التي حملت أسمه والتي تنبأ فيها بخراب نينوى ، ألقوش لم تكتف بأحتضان هذا القديس فقط ، ولكنها أحتضنت رفات قديسين منهم مار ميخا النوهدري ومار قرداغ والربان هرمز ، القوش قلعة من قلاع الكلدان ، لها مكانتها المتميزة في قلب كل كلداني غيور شريف لم ينكر أصله وقومه ولغته وتاريخ أجداده .
لقد أدنحر الآشوريين أمام التحالف الميدي الكلداني ولم تقم لهم قائمة لحد اليوم ، وسقطت جميع المناطق بيد الكلدانيين ، وأصبحت الأقاليم الآشورية وجزء من الأقاليم التركية وسوريا ولبنان وفلسطين تحت السيطرة الكلدانية ، وأصبحت جميع الأقاليم كلدانية ، تابعة للأمبراطورية الكلدانية ، وقد أعتبر الحكم الكلداني هو آخر حكم وطني حكم العراق ، ولم يكن غيره حكماً وطنياً حكم العراق ، وأستمر هذا الحكم إلى سنة 538 ق . م عندما غزا المغول العراق وأسقطوا الحكم الكلداني ، وحسب ما يقول عبد الأحد أفرام بأن الكلدانيين هي تسمية لشعب متعدد القبائل :
” إن التواجد الكلداني في المنطقة المعروفة حالياً بشمال العراق وحتى جنوب تركيا وأجزاء من إيران كان كثيفاً أبتداءاً من الألف الأول قبل الميلاد، اي قبل أن يكون هناك مسيحيون ومسيحية ، وقبل أن يكون المعتقد الكاثوليكي وغيره ، فالكلدان أقدم من الديانات نفسها ، والسبب في ذلك هو قيام الملوك الآشوريين بعد هجماتهم المستمرة على بلاد الكلدان وعاصمتهم بابل ، قاموا بتهجير وترحيل سكان تلك الإمارات إلى بلاد آشور ، بالإضافة إلى الهجرات الإدارية من قبل الكلدان أنفسهم وذلك بعد سقوط دولتهم عام 538 ق .م لذا أرتفع عدد الكلدان في تلك المناطق ليصبح أكثرية وبقية الأقوام أقلية ، كما أطلق العديد من الكتاب والباحثين على تلك المناطق الجبلية تسمية كلدانستان ، لكون معظم سكانها من الشيع الكلدانية : أبلحد أفرام الكلدان في التاريخ – ج 11 ص 13
لم يكن أسم القوش مقترناً بآشور إلا في مراحل قليلة ، وهي عندما يذكر الموقع الجغرافي ، أو في حالة التمييز بين ألقوش فلسطين وألقوش العراق ، ولكن ألقوش أقترن اسمها بأسم ناحوم أكثر مما أقترن أسمها بأسم آشور ، ذلك النبي الذي يقدّسه اليهود ، واليوم بالتأكيد قد أستبدل أسمها إلى ألقوش العراقية وذلك بعد اندثار مملكة آشور وأنتهائها بسقوطها على يد الكلدانيين قبل ميلاد السيد المسيح بأكثر من ستمائة عام .
ثم يذكر المطران بابانا ما معناه أندثار آشور وتسمية القوش بألقوش العراق حيث ذكرذلك صريحا مما جاء في ص 34 النقطة 6 :
” إن زيارة اليهود لقبر النبي ناحوم في ألقوش آشور ( العراقية ) ” . طبعاً لم يأت هذا الكلام أعتباطاً حيث وضع المؤلف بين قوسين كلمة العراقية ، وهو ما يدل على أنها حالياً القوش العراقية وكذلك ورد في ص 29 السطر الأول ” قبر ناحوم في ألقوش آشور ( العراق ) “. وكذلك ورد في ص 35 النقطة 7 السطر 6 ” ألقوش آشور ( العراق )
وللتأكيد على كلدانية سكان ألقوش ما يقوله المؤلف في ص 21 :
” وما نأخذه عليه أنه قال : ان سكان هذه القرية – أرمن – ويجوز ان تكون غلطة مطبعية وليس تاريخية وقد سجل كلمة Aramean وأفتهم صاحب المطبعة Armenian لتشابه اللفظ باللغة الفرنسية ” . وذكر سابقاً بأن الآراميين هم الكلدان والسريان .
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : لماذا سمي ناحوم ب ناحوم الألقوشي ؟ ولم يسمى ناحوم الآشوري ؟ ولماذا لم يحمل الآشوريين النبي ناحوم من الأنتساب إليهم ؟
لأن ناحوم من مدينة القوش فمن الطبيعي ان يتسمى القوشياً – المصدر السابق ص 38 السطر 12.
يقول المصدر ” لقد أحتل الآشوريون مدن كثيرة من بينها مدينة نوأمون العاصمة المصرية ( النقطة 2 ) وذلك سنة 633 ق . م ونوأمون هي مدينة الأقصر حالياً ، فهل يستطيع آثوريو اليوم المطالبة بالأقصر والمناداة بها كمدينة آشورية ؟
لماذا المطالبة بألقوش الآشورية ونغض الطرف عن أربيل الكردية وتكريت العربية والأقصر المصرية ؟
يقول المصدر :
” وهكذا أصبحت ألقوش مركزاً حسّاساً للكنيسة المذكورة ( أي الكنيسة الكلدانية ) مدة أجيال خلت وقرون مضت حيث كانت كرسياً للبطريركية المشرقية ( لكل الشرق من 1504 – 1837 ) ثم بقيت أكثر من ثلاثة قرون مدرسة لتثقيف الرهبان وأبناء الملّة فتخرج منها المطارين والأساقفة ليوفدوا إلى كل أنحاء البلاد الخاضعة للبطريركية الكلدانية البابلية المشرقية “.
ص 10 ألقوش عبر التاريخ
ومما يذكر عن صفات ألقوش ومكانتها يقول المصدر في ص 12 :
” فأصبحت القوش مهد الفضيلة والعلم بالنسبة للكنيسة الكلدانية ” .
إذا كانت آشورية الهوية فلماذا يصفها المؤلف عَلَماً للكنيسة الكلدانية ؟ هل يجوز أن تعمل الكنيسة الكلدانية لغير الشعب الكلداني ؟ ألقوش هذه هي مدينة العلم والعلماء ومسقط رأس الشرفاء والرجال الأشداء ، القوش أنجبت كهنة ورجال دين يتمنطقون بالفضيلة والأخلاق الراقية وتقوى الله ، القوش الكلدانية أنجبت رجالاً يفدون الغالي والنفيس في سبيل علو أسم القوش ، حيث يقول المطران :
” ولد فيها الأحبار ذوو الأيادي البيضاء خلال مئات السنين فأصبحوا بسيرهم نبراساً للشعب الكلداني حتى يومنا هذا ” المصدر السابق ص 12 السطر 18و19
المستشرق البريطاني أوستن هنري لايارد جاء إلى ألقوش في 1894 وألّف كتاباً في نفس السنة ذكر فيه وصفاً عن القوش في الفصل السابع منه ص 232 – 236 وذلك بعد زيارته معلثايي يقول ما نصه – مترجم عن الأنكليزية :
” القوش بلدة صغيرة مسيحية سكانها كانوا سابقاً كلدان نساطرة أهتدوا إلى الكثلكة ، وحسب التقليد العام الحقيقي كلداناً “. ألقوش عبر التاريخ – الفصل الأول – ص 24و25
إن هذا المستشرق هو بريطاني الجنسية ، ولا يهمه ما تكون ألقوش أو ما هي قومية أهل ألقوش ، ولكنه لم يشأ إلا أن يتكلم الصدق والصراحة ، وكتب الحقيقة كما رآها ، وقد فصّل بوضوح لا لبس فيه بين المذهب والقومية ، فقال بالصراحة التامة كلدان نساطرة ، اي أنهم قومياً كلدان ومذهبياً يتبعون البدعة النسطورية ، ومن ثم هؤلاء الكلدان الهوية أقتبلوا التعليم الكاثوليكي القويم ، أما هم فبالحقيقة كلداناً وليسوا غير ذلك … أين هم منتحلوا الآشورية من الكلدان البائعي هويتهم القومية ..
ولكن هل يعقل أن يتسمى مذهب واحد بتسميتين ؟ هل يعقل بأ نقول … العرب الشيعة ونقول يقصد بها الشيعة فقط ؟؟؟؟؟؟ ولكن هناك من يريد خلط الأوراق ويبين للعالم بأن الكلدانية مذهب وليست قومية … أما لماذا … فأشيركم إلى قراءة هادئة للرد الذي تكرم به مشكوراً المؤرخ الكلداني الأستاذ الشماس گورگيس مردو