إن احترام كرامةِ الشخص البشريّ أمرٌ واجبٌ تجاه كلِّ إنسانٍ، لأنه يَحظى بكرامةٍ خاصةٍ ويتمتّعُ بقيمةٍ شخصيّةٍ لا تُمحى. فالحياة البشريّة تستمد جذورها من الزواج والمحيطِ العائليّ الذي فيهِ يولدُ الإنسانُ بفضلِ فعلٍ يُعبِّرُ عن الحبِّ المُتبادل بين الرجلِ والمرأة. والإنجابُ عملٌ يحملُ في ذاتهِ مسؤوليةً تجاهَ الطفل، لذلك يجب أن يكونَ ثمرةً للزواج.
اعتادت العوائل اليوم أن تقوم بإجراء فحص تشخيصي للجنين قبل الولادة، من خلال أجهزة تقنيّة حديثة تسمى السونار تستخدم “الأشعّة ما فوق الصوتيّة” لتصوير الأعضاء الداخليّة، كالأجنّة في حالات الحمل، ولكن هل هذا أمرٌ صحيح؟
يستطيع الوالِدان اليوم أن يقومَا بفحص الجنين وهو في رحم أُمّه من أجل معرفة جنسه، أو من أجل الاطمئنان على صحّته، فربما كان الجنين مريضًا. فيجب أن تكون غاية فحص الجنين هي متابعة نموّه ليكون شخصًا سليمًا، والمحافظة عليه وعلى حياته وليس من أجل أيّ هدف آخر.
اعتاد مجتمعنا اليوم أن يقوم بقتل الجنين إذا كان مصابًا بمرض لا يمكن الشفاء منه حتى بعد الولادة، أو إذا كان لديه عوق جسدي أو عقلي أو أيّ مرضٍ عضال آخر. فالعائلة تقوم بالتخلّص منه، لأن كثيرين لا يمكنهم تحمّل مسؤوليّة الاعتناء بطفل مريض، ماديًّا ومعنويًّا، فيحاولون بشتّى الطرق أن يتخلّصوا من هذا الجنين قبل الولادة وهذا بحد ذاته يعتبر خطيئة. فرغم أن الكتاب المقدّس لا يُشير إلى هذا الموضوع بحد ذاته، لكن الكنيسة من خلال مبادئها وتعاليمها القيّمة تقول بما هو خير للمسيحيّين وللبشريّة جمعاء. وهي ترى أن كل تشخيص إن لم تكن غايته خير الجنين فلا يمكن للوالدَين أن يقومَا به.
يقول البابا يوحنّا بولس الثاني: “على الطبيب أن يقدّر تقديرًا دقيقًا ما يمكن أن يحدثه أي تشخيص من نتائج سلبيّة على حياة الجنين. وعليه أن يتجنّب اللجوء إلى عمليات تشخيص لا تؤمّن ضمانات كافية، بالرغم من غايتها النزيهة وخلوها من أيّ ضرر. وإذا ما اضطر الطبيب إلى مواجهة خطر ما- وهذا ما يحدث غالبًا في الخيارات البشريّة- فعليه أن يتحقق من أن هذا الخطر تبرّره حالة تشخيص طارئة وما قد يحصل من نتائج مهمة لخير الجنين عينه”.
لذلك، يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة “بما أنّه من الواجب معاملة الجنين منذ الحبل به كشخص، فلا بُدَّ مِن الدِّفاع عن سلامته الجسديّة، ورعايته وشفائه قدر المستطاع، مثل أي كائن بشريّ آخر. من الجائز أخلاقيًا إجراء الفحص الذي يسبق الولادة، إذا احترم حياة الجنين البشري وكماله الطبيعي، وإذا كان يهدف إلى حمايته أو شفائه الفردي. ويكون متعارضًا على وجه خطير مع الشريعة الأخلاقية، عندما يتوقع استنادًا إلى النتائج، إمكان إحداث إجهاض. يجب ألا يكون الفحص معادلًا لحكم موت”.
ختامًا أقول، لا بدَّ للأزواج أن يعوا مسؤوليّة الأبوّة والأمومة تجاه الجنين، حتى وإن كان الجنين ما يزال في احشاه أمّه، فروح الله قائمة فيه منذ أوّل يوم حُبل به، وإنهاء حياته هو بحدّ ذاته تعدٍّ على روح الله التي وهبها له. من جهة أخرى فالعائلات المسيحيّة عليها ألّا تنساق وراء التفاهات التي يروّجها العالم اليوم، بل تهتم بما تعلّمه الكنيسة في هذه المواضيع، لأن غايتها خير الإنسان وازدهار حياته.