محاوره / باسل شامايا
الثقافة والفن يعيدان الحياة الى جسد المجتمعات الانسانية ، هذه المجتمعات التي ستكون بلا روح اذا افتقرت الى المبدعين لأنهم بعطائاتهم يدفعون الحياة الى مواكبة التطور والرقي الثقافي .. انهم نهر عظيم يجري دون توقف ولا يمكن ان يتوقف عن جريانه لأنه سيجف وبجفافه ستغدو الحياة جامدة بلا روح . ان المبدعين لا يتحددون بالعمر واللون والانتماء و. و. و . لأننا نجد فيهم الكبير والشاب والصغير وكل واحد منهم يبدع ويتألق في مجال من مجالات الحياة المختلفة .. فالأطفال مثلا يشكلون مستقبل الوطن وينابيعه المزهوة وغده المشرق الواعد الذي يتكأ على طموحهم وتطلعهم وعشقهم لربوعه ، نجد الساحة الثقافية وبتنوع اجناسها ، في القوش الحبيبة ، هذه البلدة الصغيرة التي يحتضنها جبل اشم ، زاخرة بالمبدعين والمبدعات ومن مختلف الفئات العمرية وعلى امتداد السنين ، وليس غريبا أن يبرز من بين هؤلاء طفل صغير بعمر الورد يتمتع بموهبة فن الرسم الذي يثير بلوحاته دهشة من يتاملها ملياً لما تمتاز بها من تجسيد جميل للصور الحياتية المتنوعة التي يغازلها بفرشاته المتواضعة .. انه الموهوب والفنان الصغير ستافروس لهيب زرا الذي ينحدر من عائلة بيت زرا ، المعروفة اجتماعيا وثقافيا في مجتمعنا الألقوشي .. جده المربي الراحل جرجيس اسحق زرا الذي كان معلما ومربيا للاجيال ، و بالرغم من ذلك ، كان مبدعا في نجارة الموبيليا التي اصبح له شأن كبير في بغداد وأماكن أخرى ، وما زالت نتاجاته الكثيرة خير دليل على ما أقول ، وقد خلفّه بذلك ابنه البكر لبيب وسار حتى يومنا هذا على نهج والدهفي هذه المهنة ، وبما ان هذا النوع من الابداع هو احد انواع الفنون ، اذن نقول ان المبدع الصغير ستافروس ينحدر من عائلة فنية مبدعة . هلّ فجر ميلاد المبدع ستافروس في بغداد عام 2005، فعاش وسط عائلته المتكونة من شقيق واحد وشقيقتين تجمعهم المحبة والتعاون ، وبسبب الظروف الامنية والعمليات الارهابية التي استهدفت الشعب العراقي بشكل عام اضطر والده وعمه لمغادرة بغداد والعودة الى مسقط الرأس بلدة الآباء والأجداد القوش ، فكانت المحطة التي انطلق منها ستافروس بهوايته ، وبدا يمارس منها فن الرسم قبل دخوله المدرسة ، فكان والده الفنان التشكيلي لهيب زرا أول من اكتشف حب ولده لهذه الهواية ،
فأخذ يتابعه عن كثب ويوجهه ويتحاور معه في نوعية اللوحة التي يرسمها ، والأسباب التي تجعله يختار تلك اللوحة دون غيرها ، فشكلت تلك المتابعة والتشجيع عاملا مساعدا مهما في عشقه للرسم ، وهكذا رافقته الموهبة منذ نعومة اظفاره وترعرعت مع نموه وترعرعه ، وها هو اليوم قد اعتادت انامله ان تحتضن القلم وتجسد ما تحتفظ به افكاره من الصور التي تزينها مخيلته الخصبة .. ومن منطلق ( الحياة ليست الا لوحة رائعة في ابتسامة طفل ) سألناه عن بداياته الفنية فقال : بدأت أرسم حينما كنت في الروضة واستمرت معي هذه الموهبة وازداد تعلقي الشديد بها مع مرور الايام والسنين حتى يومنا هذا .س // هل تختار الصور التي تجسدها من خيالك أم تنقلها من صحيفة أو مجلة ..؟ص// في بعض الاحيان اعتمد على مخيلتي وارسم ما تجسد ه من صور متنوعة واحيانا اخرى كنت اتابع والدي بلهفة وهو يرسم فاحاول ان ارسم بنفس الطريقة التي يرسمها .س// من الذي شجعك على الرسم …؟ص// لقد تابعني ابي وامي منذ البداية وشجعاني أن أرسم واتواصل في ذلك دون انقطاع وأحس انني مدين لهما لأنهما زرعا في اعماقي حبي الشديد لفن الرسم .س// ما هي المواضيع والصور التي تفضلها في الرسم …؟ص// أحب أن أرسم كل ما يخطر ببالي لكن تجسيد صور الحيوانات وتحديدا صورة الحصان افضلها وارغب ان ارسمها لانني لا اجد صعوبة في انجازها .س// هل تشغلك هوايتك عن متابعة دروسك اليومية …؟ص// أطلاقا .. بل تجعلني أن اتعلق بموهبتي اكثر واكثر وانني لا ارسم الا في اوقات فراغي .س// أي الألوان تستخدم في الرسم ..؟ص// ان الالوان التي استخدمتها في بداية مشواري الفني في الرسم كان قلم الرصاص والألوان الخشبية ، وبعد أن تطورت قابليتي بدأت أستخدم الألوان المائية حيث كانت اللوحات التي انجزها سابقا بقلم الرصاص اما في الوقت الحاضر فأنني اعتمد على الألوان المائية التي أجد سهولة في استعمالها .
س // هل شاركت في معارض خاصة أقيمت للأطفال .. ومتى …؟ص// نعم .. لقد شاركت ولأول مرة بلوحات متنوعة كثيرة في المعرض التشكيلي لرسوماتالاطفال الذي اقامه نادي القوش العائلي عام 2013 وبمشاركة مجموعة اخرى من الموهوبين ومن كلا الجنسين حيث كانت تلك المبادرة بداية لانطلاقي في عالم الرسم وتعريف الناس بموهبتي ، وفعلا كانت مشاركتي محل اعجاب الحاضرين من المسؤولين واصحاب الاختصاص والاهالي ، حيث حفزني ذلك الاعجاب والتشجيع ان اتواصل في الرسم مستفيدا من ملاحظاتهم ، كما شاركت بنفس العام في المعرض الذي اقامه اتحاد الطلبة الكلداني السرياني الاشوري الذي اقيم في قاعة جمعية الثقافة الكلدانية ..س// هل لديك فكرة اقامة معرض شخصي يحتوي على لوحاتك فقط …؟ص// نعم لديّ فكرة اقامة معرض شخصي وستكون بالتعاون مع من يهمهم أمري ويشجعوني أن أتواصل في تنمية قدراتي وصقل قابلياتي لأتمكن مستقبلا المشاركة في معارض على مستوى اكبر .س/ ماذا تتمنى ان تكون في المستقبل ..؟ص// كل انسان يتمنى ان تتحقق امنيته في الموهبة التي يمارسها خلال حياته لذلك عندما اكبر اطمح ان اكون فنانا تشكيليا .س// ماذا تريد ان تقول في نهاية هذا اللقاء …؟ص// في البداية أود أن اقدم جزيل شكري لكل من مدَ لي يد المساعدة في تجسيد موهبتي في الرسم وتحديدا اشكر ابي وامي على احتضانهم لي وتوجيههم وتذليلهم الصعاب التي قد تقف امام انجاز لوحاتي الفنية كما اشكر الفنان المسرحي العم باسل شامايا على اجرائه هذا اللقاء وفي الاخير اقول انني سأكون عند حسن ظن الجميع في طريقي الذي اخترته . هكذا يزهر الوطن بموهوبين مبدعين يضيفون الى أرشيفه انجازات وابداعات جديدة .. يحملون منذ نعومة أظفارهم رسالة الابداع والتألق فاذا ما وجدوا من يتابعهم ويرعاهم وينمي مواهبهم فالتألق والتمييز هما ما سيرتقون اليهما ، وسيكون ضيفنا العزيز ستافروس لهيب زرا احد هؤلاء الذي بدأ برسم طريق ابداعه منذ ان احتضنت أنامله النحيفة فرشاته الصغيرة وراح يغازل بها الحياة بتفاصيلها .