رغم كون يسوع شاباً، فحينما بدأ رسالته كان في الثلاثين من عمره، ولم يكن قد تجاوز الثالثة والثلاثين عندما مات على الصليب، أي كان في سن الشباب وذروة نشاطه. لكنه بذل حياته وهو ما يزال في مقتبل العمر ليبيّن لنا حقيقة سرِّه «الإنجيل خبرة حقيقية معاشة مدونة بوحي الروح القدس»، لهذا نلاحظ أن أعمال يسوع وتبشيره وعجائبه، كلها كانت في معظمها خلال مرحلة شبابه وعيشه مع الآخرين، إذ لم يكن منغلقاً على نفسه ولا منعزلاً عن الآخرين، بل كان يعلِّمهم ويتعلَّم منهم، إذ شكلت هذه الفترة نوعاً من التنشئة الجسدية والروحية له “وكانَ يسوعُ يَتسامى في الحِكمَةِ والقامَةِ والحُظْوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس” (لوقا2/ 52).
يجدر بنا أن نتخذ يسوع الشاب مثالاً لنا في حياتنا اليومية، فقد قدَّم الكثير من التضحيات ليعلِّمنا ويساعدنا على عيش علاقة محبة مع الآخرين. نعم، قد نواجه بعض الصعوبات في عيش هذه التضحيات، إلا أن المعزّي معنا دائماً (الروح القدس)، وهو يعمل فينا ويعلِّمنا، وليس مطلوباً منا سوى أن نجعله فعّالاً فينا وأن نقبل مشيئة الآب كما قبلها يسوع بتواضع كبير. هذه التضحيات تتطلب منا الإصغاء إلى كلمة الآب لنعرف ما يريده منا ونتمم مشيئته فيعمل من خلالنا في هذا العالم ليكون ملكوتاً أرضياً نعيشه بكل حب وتواضع ومستعدين للمجيء الثاني ليسوع.
في ضوء حدث القيامة، بإمكاننا أن نعيش شباب يسوع في حياتنا، كون يسوع هو النبع الحقيقي للمحبة، وهذا النبع هو الذي يدفعنا إلى عيش البشارة، لهذا علينا أن نعمل، مقتدين بمثال يسوع، لكي ننير الطريق للآخرين، فالمسيح هو «نور رجائنا العظيم ومرشدنا في الليل».
نلاحظ أن كثيرين من الشبيبة بعيدون كل البعد عن الكنيسة، وذلك بسبب بعض المشكلات التي تواجهها الكنيسة اليوم، سواء أكانت مشكلات عامة أم مشكلات تخص العاملين فيها (المكرَّسين)، ولكن، رغم كل ذلك، ما زال هناك بعض من الشبيبة الذين يرون روح الكنيسة وقوتها، وهؤلاء يحاولون دائماً العمل بجهد كبير لكي يعكسوا الصورة الصحيحة للكنيسة. إن الكنيسة اليوم تعطي دوراً وأهمية للشبيبة وتحاول أن تحل مشكلاتهم الاجتماعية أو العامة، وتبذل من أجل ذلك جهداً كبيراً وتخصهم بالكثير من الوقت والعمل اليومي.
علينا ألاّ ننسى دور مريم العذراء في بناء الكنيسة، فبحضور مريم «ولدت كنيسة شابة»، إن كلمة (نعم) التي قالتها مريم للملاك كانت بمثابة وعدٍ لله، وهكذا نحن أيضاً، علينا أن نتخذ من مريم مثالاً صالحاً، لكي نقول مثلها (نعم) لمشيئة الآب.
نذكر هنا نماذج من الشبيبة الذين نالوا القداسة والشهادة رغم صعوبة الأوقات التي عاشوها، فبهم تجدد الكنيسة روحانيتها، وبهم أيضاً تقوم الكنيسة بقوة كبيرة وتعود شابة، لنشر رسالتها:
١) الخادم الأب رغيد عزيز متي الكني: من مواليد الموصل 1972، اغتيل في سنة 2007 على يد جماعة إرهابية، هو ومَن معه، كل من الشمامسة: بسمان يوسف (مواليد عقرة 1966)، غسان عصام بيداويذ (مواليد الموصل 1982) و وحيد حنا إيشوع (مواليد الموصل 1984). وذلك بسبب عدم انصياعه لأوامر الجماعة الإرهابية بغلق أبواب كنيسة الروح القدس في الموصل. وبحسب قول أحد القتلة: قبل أن أُطلق الرصاص عليه، قلتُ له: “كلتلك عزِّل الكنيسة، ليش ما سديتها؟” فأجابه الأب كني بشجاعة: “ما نسد بيت الله”.
٢) خادمة الله الأخت سيسيل (سيسيليا): من مواليد قرية بيبوزي 1931، توفي والداها وهي طفلة، احتضنتها رهبنة قلب يسوع الأقدس واختارت الانتماء إلى الرهينة في عام 1943، وابرزت نذورها الدائمة في 1998، فكانت الأخت سيسليا (اِمرأة صلاة، مواظبة على تأدية واجباتها الديرية والرسولية، أمينة في رسالتها الاجتماعية، عيش الوحدة والفرح في الجماعة، وعاشت خبرة روحية عميقة). استشهدت في 2002 في بغداد على يد لصوص اقتحموا الدير. يمكننا أن نقول إن استشهادها روحياً كان أسبق وبفترة طويلة ليوم استشهادها بالجسد. فكان بالتالي إكليلا أعطاه لها الرب مكافأة على حياتها التي عاشتها بالأمانة والاجتهاد المتواصل بدون كلل أو تذمر، كانت يد الرب ترافقها وتُحضرها ليوم عرسها.