(الفنان ليس ملك نفسه بل هو ملكاً لمجتمعه ومطالباً بتقديم ما تمليه عليه موهبته باستمرار)
خلال شهـر أيلول الماضي كـنـت في زيارة قـصيرة إلى ولاية مشيگان ، وخلالها اِلـتـقـيت مرات عـديـدة بفـنان متميز رسم شخـصيته الفـنية من مِلء ثـقافـته الإجـتماعـية والتأريخـية وخـبرته ومحـبته في الإبحار إلى أبعاد حـضارته الغـنية بالـفـنون والعـطاءات .
إنه الفـنان صباح وزّي من بلدتي ألـقـوش ، وتربطني به أواصر الـقـرابة ، فالألـقـوشـيـون سلسلة مترابطة لا تـنـقـطع ، فـدارت بـينـنا أحاديث شـيـقة متـنـوعة إجـتماعـية وثـقافـية وتأريخـية وأهـمها الـفـنية .
رأيته شخـصاً موهـوباً وُلِـد فـناناً حاملاً أبعاد التأريخ ويتمتع بمعرفة واسعة عن الـتـقالـيد التي كان يزهو بها مجتمعنا قبل عشرات السنين ويتطرق اليها متمتعاً بجمالها وبراءتها وتأثيرها على بناء شخصيتنا الشرقية الكلدانية الالقوشية الاصيلة .
فنان يحاولاً مخاطبة العالم من حـوله بأنامله السحـرية ، تعـزف ألحاناً من ورشته المنـزلية بصُور مجـسمة ، تلك التي عُـزِفـت منذ آلاف السنين فـينـقـلها إلينا اليوم بـِبَهائها ، ولـيُـذكـّـرنا بتلك العـظمة التي كان يتمتع بها أجـدادنا الكـلـدانيون والآشـوريون في عـمق التأريخ بطريقة سحـرية.
ولا يخـفى عـلى أحـد أن عائلة وزّي ( جـيرانـنا في ألـقـوش ــ مرقـد النبي ناحـوم الألـقـوشي ) إشتهـروا بمهـنة الحِـدادة أبّاً عـن جَـد ، حـين كانوا يتعاملون مع المعادن وأهـمها الحـديد بالوسائل البدائية فـتطاوعهم وتـتحـول بأيـديهم إلى صُور تحـمل الـفـن والجـمال والـدقة حـتى إعـتمدَتْ عـلـيهم ألـقـوش والـقـرى المجاورة لها في صناعة الأبواب والشبابـيك والأقـفال والعُـدد الزراعـية والمنزلية ، بل وحـتى أجـزاء من معـدات معـدنية للمكائـن الحـديثة ، وكانوا مبدعـين في أي عـمل يتبنونه وبكـفاءة عالية رغم بساطة الوسائل والعُـدد المتاحة .
ومع أسفـنا فإن العائلة (عائلة وزّي) فـقـدت مهـنة الحـدادة هـذه بسبب عـدم مواكـبة التطور السريع في تكـنولوجـيا العـصر من جانب ، ومن جانب آخـر تـشتـيت أفـراد العائلة من الجـيل الجـديـد إلى أصقاع العالم ، إلاّ أنّ الجـذور الـفـنية لم تغادر دواخـل أبنائها ، فـبـقـيت تغازل مشاعـرهم لتظهـر في مجالات مخـتـلـفة ، إنْ كانت رياضية ، موسيـقـية ، غـنائـية ، أعـمالاً تـشكـيلية ، فـتـقـول لعـلماء النفس أن الـفـن مرتـبط بجـينات الشخـص بالإضافة إلى الخـبرة المكـتسبة .
كم سـرّني الحـديث مع الـفـنان صباح وزي عـن طموحاته المستـقـبلية في الأعـمال الـفـنية التي تـتحـدث عـن تأريخـنا الطويل في بلاد ــ بـيـث نهـرين ــ ومجـتمعـنا الغـني بتراثه المرتبط بأبعاده الزمنية وبثـقافاته الأصيلة التي أغـنت البشرية بنـتاجاتها الحـضارية ، فـتمتعـتُ بالحـديث مع الـفـنان الشهم ، وأنا من متابعي أعـماله الـفـنية قـدر المستطاع . وفي احدى لقاءاتي معه قلت له: الفنان ليس ملك نفسه بل هو ملكاً لمجتمعه ومطالباً بتقديم ما تمليه عليه موهبته باستمرار. فابتسم بتواضع قال سأقدم المستطاع.
وقـبل عـودتي إلى كاليفورنيا ، فاجأني بهـدية لا تُـقـدّر بثمن ، وهي قـطعـتين فـنيتين جـميلتين تعـبّـران عـن أصالته الـفـنية ، تعـود إلى بُعـد تأريخـنا الغـني ، والتي سأعـتـز وأفـتخـر بها طوال حـياتي أمام كـل مَن يزورني ، فهي تـزيّـن أجمل زوايا الـبـيت .
شكراً أخي العـزيز صباح ، وشكـراً لما تُحـيـيه من تراثـنا ، فـتـتـناقـله الأجـيال كما تـناقـلته إلينا.
دمتَ سعـيدا أخي العزيز الفنان صباح وإلى أعـمال ونـتاجات فـنية أخـرى.
الشماس الإنجـيلي: قـيس سـيـﭘـي
كاليفـورنيا / سان هـوزيه