حوار مفتوح مع الدكتور سعيد اسطيفانا المحور الخامس: سقوط الجبهة وهجرة الوطن.عماد رمو

Khoranat alqosh2 مارس 201489 مشاهدةآخر تحديث :
حوار مفتوح مع الدكتور سعيد اسطيفانا المحور الخامس: سقوط الجبهة وهجرة الوطن.عماد رمو

المحور الخامس: سقوط الجبهة وهجرة الوطن.
لم تدم الجبهة الوطنية طويلا نتيجة خطة البعث باقصاء جميع السياسيين والاحزاب وممارسة سياسة الارهاب وسياسة الحزب الواحد والقائد الواحد. لقد تم اعتقال الكثير من الشيوعيين في الوطن وكانت حصة القوش الكثير من الشهداء وكذلك لعائلة اسطيفانا واتذكر كيف هُدم احد بيوت اعمامكم لان ابنه كان قد اتجه الى الجبال للمقاومة بين صفوف الانصار. لقد كانت سياسة ارهابية وامام انظار المجتمع العالمي وخرج الحزب الشيوعي العراقي خاسرا لدماء غالية كثيرة. لقد قال الكثير من المحللين السياسين بان الجبهة مع البعث من دون الاحزاب الكردية كانت جبهة ضعيفة وناقصة. لقد اصطف الحزب الشيوعي العراقي مع البعث القومي في فترة ما لضرب الاكراد في بداية الجبهة وكان هذا خطأ فادحا قام به الحزب الشيوعي العراقي ترضية لحليفه البعث القومي رغم ان جبال كردستان كانت دائما أأمن بقعة من الوطن لجميع الاحزاب المعارضة لسياسة البعث التعسفية. كيف تقييم هذه الفترة وتجربة الجبهة الوطنية؟
لقد تركت الوطن مضطرا للحفاظ على حياتك وحياة عائلتك حينها. كيف حدث ذلك؟ هل تعرضت لضغوطات كثيرة حينها؟ لقد تركت ليس فقط الوطن ولكن تركت الحلم الكبير لكل انسان مخلص لوطنه والذي ليس له وطن الا وطنه. كيف كانت تلك الايام؟ متى تركت الوطن؟ لقد كان من الصعوبة ترك الوظيفة من دون استحصال موافقات رسمية، ماذا تخزن ذاكرتك لتلك الايام المؤلمة؟ الم يكن حمل حقائب السفر وترك الاهل والوطن محزنا والبدء بالبحث عن بلد اخر ولكن ليس بالوطن؟ لقد عملت في بلدان كثيرة ولقد استقر بكم الامر عام 1989 في استراليا. ما هي مسيرتك المهنية خارج الوطن وكيف استقبلتك البلدان الاخرى؟ اليس مؤلما ان يهرب الانسان من وطن يحبه وينتمي اليه؟
الدكتور سعيد اسطيفانا:
اخي عماد انت محق تماما فان الجبهة لم تدم طويلا وتدريجيا سرعان ما كشف البعث عن نيته الحقيقة وتوغل في سياسة الحزب القائد وبتهميش واقصاء الحلفاء ثم ممارسة قمعية دموية للقضاء عليهم وخاصة الحزب الشيوعي ونالت القوش وعائلة اسطيفانا كما تقول نصيبها من الممارسات الوحشية واللاانسانية من البعث الفاشي.
لقد اجرى الحزب الشيوعي في مؤتمراته التي عقدت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي تقيمات معمقة لمرحلة الجبهة تلك توسمت بالموضوعية والصراحة واحتوت على كثير من نقد جريء للذات وسيكون من المفيد سواء لمن رافق تلك الفترة او من الاجيال التي اتت بعدها ان يطلعوا ويدرسوا هذه التقييمات ويتعلموا منها ولكي لا يصبحوا ضحية بعض التقييمات السطحية او المغرضة او العدائية. فلقد قيل وكتب الكثير في هذا الصدد وبعضه سطحي وغير موضوعي وبعضه مغرض وعدائي الخ.
الخلل ليس في التوجه للعمل المشترك مع الاخرين والذي قد يصل حد عقد وتوقيع جبهة معهم. فهذا التوجه هو في صلب مبادئ عمل الشيوعيين ولا يزال ولقد سعى وعمل الشيوعيون ومنذ تأسيسهم بهذا الاتجاه هنا تحضر لي مقولة فهد “قووا حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية” التي لا تزال تحتفظ بحيويتها. فكان هناك نوع من لجان مشتركة ايام وثبة كانون 1948 والجبهة الانتخابية في انتخابات 1954 وجهة الاتحاد الوطني لسنة 1957 والتنظيمات المشتركة لحركة الضباط الاحرار والآن نحن نشهد نوعا من عمل جبهوي من خلال قيام التيار الديمقراطي وكذلك التحالف المدني لخوض الانتخابات القادمة.
لقد كان هناك وكما هو معروف انتصارات ومكاسب لصالح الشعب وحركته الوطنية ارتبطت بهذه الجبهات او كيانات العمل المشترك وثورة تموز 1958 خير مثال على ذلك وكذلك منها ما حققه التيار الديمقراطي في انتخابات مجالس المحافظات وانا على قناعة باننا سنشهد مكاسب للتالف المدني في الانتخابات النيابية القادمة. صحيح ان الجبهات التي ذكرتها لم تدم , وان اي جبهة تعقد لاغراض واهداف مرحلية , تنفرط عند تحقيق ذلك, او عندما يقرر او يشعر احد اطرافها انه حقق ما يريد منها, او انه ليس في حاجة اليها اكثر من ذلك. ومن خلال تجربتي اقول واثقا ان الشيوعيين ما كانوا سببا في انفراط عقد الجبهات التي دخلوا فيها وانهم بذلوا الكثير وضحوا وعانوا الكثير كي تستمر وتتطور تلك الجبهات والتي كان آخرها جبهة 1973 مع البعث.
بذل الحزب الشيوعي جهدا كبيرا كي يكون الاخرون وخاصة البارتي ضمن الجبهة ,ألا ان البارتي ولاسباب ما ارتأى عدم الانضمام الى الجبهة. بالتاكيد ان وجود البارتي في الجبهة كان سيوجد توازن ايجابي داخل الجبهة ويقلل من غلواء وعنجهية البعث. انا لا اعلم ان كان البارتي قد قيم مرحلة اتفاق آذار 1970 اوفترة الجبهة ؟ وبودي ان اطلع على هكذا تقييم ان وجد.
الخلل كما قلت اعلاه ليس في عقد الجبهة وانما في كثرة التفاؤل بها والثقة الزائدة في البعث واعتقد ان للقناعة السائدة آنذاك في صفوف الحركة الشيوعية بان العالم هو في مرحلة الانتصار والتغلب على الرأسمالية وان للاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي دور حاسم في ذلك اثرا كبيرا في تفاؤل الشيوعيين بالجبهة وفي عدم ابداء الحيطة والحذر اللازمين. لربما كان الافضل وضع برنامج اقل طموحا للجبهة وابقائها ضمن مجالات محدودة وتطوير ذلك حسب استجابة الحليف, الذي كان يقود السلطة, لمتطلبات المرحلة ومن اهمها الديمقراطية السياسية وتنفيذ اتفاقية آذار1970 واطلاق الحريات بكل انواعها وغير ذلك.
كما هو معلوم الان ادى ايغال البعث في عنجهيته وتصاعد تهميش وملاحقة وقمع الشيوعيين الى اعتقال الكثيرين من انصارهم واعضائهم وكوادرهم وبعض قادتهم. كما اقدم على اعدام كوكبة من شبابه الذين كانوا يؤدون خدمة العلم الالزامية بتلفيق تهمة التنظيم العسكري السري ضدهم. في هذه الاثناء ونظرا لكوني عنصرا مكشوفا ككمثل للحزب في لجنة جبهة بغداد جرى تبليغي بنقل مسؤولياتي التنظيمية والسفر للخارج حسب امكانياتي وهذا ما تم صباح يوم عيد الميلاد 1978 كما فصلت في المحور السابق.
في بداية رحلة تغربي الثانية امضيت فترة في هنغاريا التقيت خلالها وحسب التوجيه بسكرتارية اتحاد الشبيبة العالمي في محاولة لاستعادة موقعنا هناك بعد ان كنا تنازلنا عنه لصالح منظمة شباب البعث خلال ايام الجبهة. هذه المحاولات لم تثمر فالبعث كان قد وطد موقعه هناك. واثناء وجودي هناك اجريت بعض العلاجات الملحة في مصحات المياه المعدنية لالتهابات الحادة لمفاصل فقرات العمود الفقري التي كانت تعرقل حركتي وكادت ان تجعلني طريح الفراش. بعد شهور من البقاء في بودابست ولعدم وضوح افاق وضعنا اتخذت قرارا بالسفر الى الاردن. بعد فترة وصولي هناك حصلت على عمل كمهندس استشاري في مكتب هندسي في عمان بعدها التحقت بي عائلتي التي كانت كما ذكرت في المحور السابق قد غادرت الى استراليا بعد هربي باسابيع. اخترت الاردن لعدة اسباب منها قربه للوطن واسقراره وتمتعه بهامش لا باس من الحرية.
تدريجيا استقرت امورنا في الاردن فعملي كان جيدا والراتب لا باس به كما ان زوجتي حصلت على عمل كممرضة في احدى المستشفيات الاهلية وقيس دخل في روضة ذات سمعة جيدة وبدأت لنا علاقات جيدة مع جيراننا الاردنيين الذين كانوا خير جيران وتوطدت هذه العلاقات على مر السنين ولا زلنا نحتفظ بالكثير منها لحد الان. من بين جيراننا كان الراحل مار ثيوذوروس بطريرك القدس للروم الارثوذكس الذي كنا نزوره ويزورنا خاصة في الاعياد وكذلك مطران عمان للروم الارثوذكس حيث كنا نسكن بجوار الكنيسة الرئيسية لهم في حينه والتي كانت في جبل اللويبدة. في الاردن ايضا التقيت وتعرفت على ابن القوش الراحل يوسف شمينا الذي كان مواطنا اردنيا وله علاقات واسعة ومؤثرة في الاردن والذي كان خير عون ولم يتردد في مساعدتنا عن طريق علاقاته.(رابط 3)
بعد فترة قصيرة جائنا الاخ عزت للاردن الذي وجد عملا هندسيا في عمان وبعدها بفترة تمت خطبته على سوسن جبرائيل ككا التي كانت في اليونان فجائت للاردن لغرض الزواج وكذلك حضرت والدتي من بغداد وتم الزواج في خريف 1980. بعد ولادة ابنهم البكر يوسف غادر عزت وعائلته الاردن ليستقر فترة عدة سنين كمهندس يعمل في الجزائر والان هم ومنذ اواخر الثمانينات في كندا. في الاردن ايضا زارنا الاخ سالم, الاخ نجيب وعائلته, الاخت حياة, الاخت ماري وعائلتها, الاخت سميرة وعائلتها. كما كان يزورونا المعارف من اهل القوش الذين عملوا سواقا لشاحنات النقل من ميناء العقبة الذي صار منفذا بحريا للعراق بعد غلق شط العرب خلال الحرب العراقية الايرانية. كم كان دارنا في عمان ملتقى لابناء وعوائل القوشية انتقلت الى الاردن بانتظار اكمال معاملة الهجرة الى امريكا او بلدان اخرى.

ابننا قيس دخل الروضة ومن ثم الابتدائية والثانوية في المدرسة الاهلية الارثوذكسية ذات السمعة الجيدة وكان متقدما بدراسته ونال المرتبة الاولى مرات عديدة. في نيسان 1983 رزقنا طفلنا الثاني حنا. كان عدم اسقرارنا وتنقلنا سببا في تأخير مجيء طفلنا الثاني. وفي كانون الثاني 1985 رزقنا بابنتنا شيرين. عند مغادرتنا الاردن بعد قبول معاملتنا للهجرة الى استراليا (وليس لجوء) حسب نظام النقاط كان قيس قد اجتاز الرابع ثانوي اولا على صفه وحنا اكمل السنة الاولى في الروضة التابعة للمدرسة الارثوذكسية وشيرين قد اكملت سنة في حضانة خاصة. قيس بالاضافة الى تقدمه دراسيا كان نشطا رياضيا ومارس الكراتيه والسباحة ودخل في مباريات عدة على صعيد الاردن وحصل على مداليات وكؤوس فيها. ولعل اهم انجاز لقيس في هذا المجال هو عبوره بحر المانش (الفاصل بين انكلترا وفرنسا) بعد سباحة متواصلة لمدة اثناعشر ساعة ونصف سبح خلالها مسافة 52 كم بدون توقف. كان ذلك في تموز 2008 ولغرض جمع تبرعات لمستشفى اطفال في سدني والتي بلغت تقريبا 180,000 دولار استرالي دخلت حساب المستشفى بشكل مباشر. كان هذا انجازا عالميا بامتياز نال عليه قيس تقديرا وتثمينا على مختلف الاصعدة.
كان عملي كرئيس لقسم الكهرباء في مكتب هندسي استشاري جيدا انجزت خلالها تصميم والاشراف على العديد من المشاريع الهندسية من معامل ودوائر ومستشفيات ومدارس وكليات وقصور ملكية وعمارات سكنية وفنادق ومحطات تنقية مياه الشرب والمياه العادمة لاغراض الري ومطارات وطرق وغيرها. هذه المشاريع لم تكن في الاردن فقط وانما في بلدان الشرق الاوسط والخليج ايضا. العديد من هذه المشاريع انجزناها بشكل مشترك مع مكاتب هندسية وشركات عالمية من امريكية واوروبية وغيرها وهذا تتطلب سفري الى الخارج مثل انكلترا والمانيا وايطاليا وفرنسا وامريكا وذلك حسب حاجة المشروع. هذا وكنا كعائلة نقضي بعض اجازاتنا السنوية في الخارج مثل قبرص وسوريا واليونان وروسيا. اثناء عملي في الاردن اخترت عدة مرات لاكون ضمن هيئة مناقشة اطروحات وبحوث بعض طلبة الدراسات العليا في الجامعة الاردنية. كما وتم اختياري من قبل الجمعية العلمية الملكية الاردنية لاعداد واقرار المواصفات الاردنية ل :التمديدات الكهربائية, الانارة الداخلية, التأريض, انظمة الانذار من الحريق, الوقاية من الصواعق.

انقطعت صلتي التنظيمية بعد خروجي الاضطراري من العراق وبسبب ارتباك الامور وتغرب الكثيرين واشتداد الحملة القمعية وما رافقها من خسائر متعددة الاشكال وما لحق ذلك من بلبلة فكرية وغير ذلك. بقيت على هذا الحال سواء خلال وجودي في الاردن او بعد ما وصلت استراليا. الا انني كنت ولا زلت اتابع الامور والتطورات من خلال وسائل متعددة منها الانترنت وكذلك من خلال علاقات الود والصداقة والاحترام المتبادل التي لا زلت احتفظ بها او كونتها مع العديد من نشطاء وكوادر وقادة في الحزب الشيوعي وكشخص مستقل مع قادة وكوادر الاحزاب والحركات الاخرى منها الكردية والكلدانية والاشورية والاسلامية ومن اللبراليين والعلمانيين . وكذلك مع رجال الكنيسة والعاملين في المجال الديني. ففي الاردن, وبقدر ما كان يسمح به الوضع فيه آنذاك, كنت التقي وازور قادة الحزب الاردني خاصة في الاعياد والمناسبات وكذلك مع نشطاء النقابات المهنية مثل نقابة المهندسين التي كنت عضوا فيها وفي اتحاد المهندسين العرب بدرجة استشاري وكذلك كان لنا علاقات صداقة حميمة مع قسس ومطران الروم الارثوذكس وبطريرك القدس كما اسلفت اعلاه. في سفراتي الى سوريا كنت التقي بمن يتواجد هناك.. ففي احدى هذه السفرات التقيت بالراحل سليمان بوكا. وفي سفرة اخرى التقيت بالراحل ابو جوزيف وباخرين. كما التقيت اخرين في احدى سفراتي لبراغ وكذلك خلال سفراتي الى لندن. (رابط 4)
عندما كنا في الاردن كانت السفارة العراقية في عمان تسال عني من بعض اهالي القوش المتواجدين في عمان بانتظار معاملات الهجرة والذين كانوا يراجعونها لمعاملات خاصة بهم وكان هولاء ينقلون لي اسئلة واستفسارات السفارة عني. كان هذا الامر يدفعني الى التحفظ في حركاتي وعلاقاتي تفاديا لمضايقات ومضاعفات ممكنة خاصة وان علاقات الاردن مع العراق في تلك الفترة كانت قوية كما هو معروف.
خلال وجودنا في الاردن كنا نأمل بتغير الحال في العراق خاصة بعد مغامرة الدكتاتور الاهوج بشن الحرب ضد الثورة الايرانية التي اطاحت بالشاه. فكثيرون توقعوا ان لا يخرج النظام الدكتاتوري سالما من حماقته ومجازفته هذه . الا ان الخسائر الهائلة والضحايا المليونية لحرب دامت ثمان سنوات ما كانت لتشفي غليل الدكتاتور الارعن فشن بعد توقف الحرب في صيف 1988 حرب ابادة ضد الشعب الكردي وارتكب جرائم ضد الانسانية بضرب حلبجة ومواقع الانصار بالسلاح الكيمياوي المحرم دوليا وصار واضحا من تصريحاته وخطاباته الرعناء انه يعد العدة لعدوان جديد. تبددت الامال بتغير قريب في العراق. كما ان السلطات الاردنية صارت تشدد على استخدام العمالة الوافدة التي كنا من ضمنها كل هذا عجل في اتخاذنا القرار بطلب الهجرة الى استراليا حسب نظام النقاط الذي كان يعتمد على الكفاءات والشهادات والخبرة وتملك الانكليزية مما كان في متناولنا انا وزوجتي وعليه تم الموافقة على طلبنا بشكل سريع ومنحنا فيزا هجرة نافذة لسنة. غادرنا الاردن في اواخر حزيران 1989 بعد ان انجزت الاشراف على آخر مشروع في عهدتي و بعد توقف يومين في اليونان وصلنا استراليا قبل نفاذ فيزة الهجرة بايام معدودة. وهكذا بدأت مرحلة جديدة في رحلة التغرب الابدية.
في استراليا وبعد فترة قصيرة من وصولنا سجلنا اولادنا في مدارس قريبة علما انه كان قد انقضى النصف الاول من السنة الدراسية التي تبدأ في استراليا في اواخر كانون الثاني من كل عام. قيس قبل في ثانوية بعد ان اجتاز اختبارات اجريت له وبتفوق اثار اعجاب الاساتذة خاصة لتمكنه الممتاز من اللغة الانكليزية ,وكذلك الرياضيات والفيزياء وغيرها. طبعا قيس اثبت جدارة عالية حيث كان الاول دائما وخاصة في الامتحانات العامة للصف المنتهي (يعادل وزاري الثانوية عندنا) حيث كان معدله 99,5%. اما حنا فدخل الصف الاول الابتدائي وشيرين دخلت الروضة.
وبنفس الوقت تقريبا بدات العمل وكذلك زوجتي كلا في مجال اخصاصه واستمريت في العمل حتى تقاعدي قبل حوالي ثلاث سنوات وكذلك زوجتي التي ستتقاعد هي ايضا بعد بضعة شهور. عملي كان في مجال التصاميم والاستشارات الهندسية وكذلك في تقييم والاشراف على وادارة المشاريع منها محطات التحويل الكهربائي وخطوط النقل وكهربة مشاريع المباني والمعامل والمستشفيات والمدارس والمشاريع السكنية والانفاق الخ. توزعت هذه المشاريع في مختلف الولايات والمقاطعات الاسترالية وكذلك البلدان المجاورة. هذا مما اضاف الى خبراتي الهندسية التي اكتسبتها في انكلترا واوربا والشرق الاوسط والخليج. في السنة الاولى سكنا بالايجار ثم حصلنا على قرض من بنك واشترينا البيت الذي نسكنه حاليا وصرنا ندفع اقساطا شهرية من مداخيلنا انا وزوجتي حتى تمكنا من ايفاء القرض مع فوائده بالكامل.
اولادنا واصلوا دراستهم بتفوفق. قيس وبفعل حصوله على المعدل الرفيع في الامتحان العام دخل الجامعة في فرع ال اكتشواري الذي يتطلب درجات عالية جدا في الرياضيات المتقدمة نال قيس البكالوريوس بتفوق ثم درس سنة اخرى وحصل دبلوم ما بعد التخرج وكان خلالها يعمل معيدا في الجامعة. ثم وبعد جولة في اوربا التقى وتعرف خلالها بالاخ نجيب والاخت اميرة وعوائلهم في المانيا وكذلك زار الاردن وايطاليا وفرنسا وانكلترا بداء قيس العمل في مجال تخصصه وهو الان مدير عام في شركة عالمية للاستثمارات المالية وهو الان متزوج وله ثلاثة اطفال. حنا ايضا هو الاخر وبعد تفوقه بالامتحان العام دخل الجامعة ودرس التخطيط المالي وبعد تخرجه حصل على زمالة دراسية في فرنسا لمدة سنة وخلال وجوده هناك زار بلدان اوربية عديدة وكذلك الاردن وتركيا. والتقى وتعرف على الاخ نجيب والاخت اميرة وعوائلهم في المانيا ومع ابن عمه آزاد في السويد واصدقاء ومعارف كثيرين لنا في اوربا. بعد انهاء الدراسة في فرنسا زار حنا كندا وامريكا والتقى وتعرف هناك على الاخ عزت والاخت ماري وعوائلهم وكذلك على بنات اعمامه سالم ونجيب وكثير من المعارف والاقرباء في كندا وامريكا. بعد عودته من استراليا عمل حنا ولا يزال في مجال عمله في احد البنوك الاسترالية المهمة وهو الان متزوج. شيرين ايضا اكملت المرحلة الثانوية بمعدل عالي بعدها اختارت العمل قبل اكمال الدراسة فعملت في سدني لفترة من الزمن ثم انتقلت الى لندن وعملت هناك لمدة سنتين زارت خلالها مختلف البلدان الاوربية وبعد عودتها من لندن بدات الدراسة الجامعية في مادة العلوم والبيئة والتي ستنتهي منها في حزيران القادم.
في استراليا كان لي ولا يزال نشاط واسع ولي علاقات ود واحترام, وكشخص مستقل, مع جهات عديدة واطراف مختلفة سياسية كانت ام اجتماعية ام قومية ام دينية من مختلف الاتجاهات والانتماءات. فنشطت بين ابناء القوش هنا وكنت من مؤسسي جمعية شيرا ورئيسا لها في احدى الدورات ولا زالت هذه الجمعية قائمة وتحي شيرا الربان هرمز وبعض النشاطات الاجتماعية. وفي وسط ما نسميه سورايي كنت احد مؤسسي رابطة الوعي الاشوري في اوائل التسعينات ورئيسا لهذه الرابطة والتي منها انبثقت فيدرالية المنظمات الاشورية وكنت رئيسا لهذه الفيدرالية لدورة واحدة. وعملت في لجنة رابي نمرود سيمونو لتوفير منح مالية للطلبة السورايي المتفوقين في الثانوي العام لمساعدتهم في دراستهم الجامعية. قيس ايضا عمل في هذه اللجنة وصار رئيسا لها. وكنت من مؤسسي ومن ثم رئيس لجمعية الاكاديمين الاشوريين الاستراليين. بالمناسبة قيس ايضا نشط في هذه الجمعية وصار رئيسا لها لدورة واحدة وكذلك ساهم حنا وبنشاط ملحوظ في اللجنة المركزية لهذه الجمعية وحتى حلها قبل بضع سنوات. وكنت من مؤسسي ومن ثم رئيس للجنة مساندي زوعا التي قامت في اعقاب قيام المنطقة الامنة في شمال العراق وكانت هذه الجنة تجمع التبرعات لدعم العمل الخيري لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في الشمال. تحولت هذه اللجنة الى الجنة الخيرية الاشورية وكنت رئيسا لها لعدة دورات. (رابط 5)
كما واود ان اضيف انه ومنذ سنوات وخاصة بعد تقاعدي من العمل اعمل على اخذ براءة اختراع في كل من اوربا وامريكا والصين والهند لابتكار يتعلق بكفاءة العربات على اختلافها وهي عملية طويلة من عدة مراحل وتستغرق سنوات حسب الابتكار ولقد قطعت شوطا لا بأس به واامل ان احصل على الموافقات الازمة لهذا الابتكار.

اود ان اذكر ايضا انه في شهر تشرين الاول 1992 كنت مع وفد التقى مع رئيس وزراء استراليا السيد بول كيتنغ في كانبيرا وقدمنا له جملة مطالب من ضمنها تسهيل وتسريع قبول معاملات لجوء ابناء شعبنا الذين تركوا العراق في اعقاب حرب الكويت الى استراليا فوعد خيرا وصار بعد ذلك وبشكل متزايد يصل لاجئين من ابناء شعبنا الى استراليا.
في استراليا وفي خريف 1992 قدمت دراسة في نادي نينوى في سدني عن المشتركات بين مكونات شعب السورايي الواحد من الاشوريين والكلدان والسريان في سمينار نظمته الجمعية الاشورية في استراليا. نشرت هذه الدراسة, وكانت بالانكليزية, لاحقا في وقائع هذا السمينار. افكار ومقترحات هذه الدراسة كانت اساس محاولتي اثناء تلك الفترة تكوين كيان سميته مجلس السورايي من نشطاء مكونات شعبنا في سدني ولكن بعد اجتماعات عدة لمناقشة واقرارمسودة مشروع كذا مجلس قررت التوقف عن هذا المسعى بسبب عدم تركيز البعض من هولاء النشطاء على المشتركات بين مكونات الشعب الواحد. الكثير من افكار ومقترحات مسودة المشروع هذا دخلت في منهاج المجلس الاشوري الكلداني السرياني في استراليا الذي تشكل لاحقا وبمساهمة هامة نشطة مني ومن آخرين. اضيف ان تاسيس المجلس الاشوري الكلداني السرياني في استراليا الذي اخذ منا جهودا مضنية لعدة سنوات وبعد قيام وتسجيل المجلس رسميا انتخبت رئيسا له لدورتين. نشط المجلس وحتى فترة قريبة جدا رغم العراقيل والمتاعب غير القليلة.
وعملت اضا مع الهيئة المؤسسة لمدرسة ربان هرمز منذ اليوم الاول لقيامها بمبادرة وقيادة نيافة المطرابوليط مار ميليس زيا في اوائل التسعينات وبعد تاسيس وافتتاح المدرسة بعد سنوات من العمل الحثيث لنيافته ومعه نحن الهيئة التأسيسية صرت ولسنوات عضوا في مجلس ادارة المدرسة حتى سنوات قليلة. المدرسة التي تعمل وفق النظام الرسمي الاسترالي تعمل بحيوية ونشاط وتقوم بتدريس اللغة السريانية كمادة رسمية في جميع مراحلها. تطورت وتقدمت هذه المدرسة كثيرا والان وصلت الى المرحلة الثانوية كمدرسة منفصلة باسم كلية مار نرسي.
وفي الوسط العراقي عملت على تاسيس الجمعية العراقية في اوائل التسعينات وفي ترأُس اجتماعاتها السنوية لعدة دورات وفي تقديم محاضرة عن تاريخ العراق السياسي في الايام الاولى من تاسيسها. كما وكنت من موسسي منتدى الجامعيين العراقي في استراليا ولا زلت عضوا في هذا المنتدى انا ايضا عضو في التيار الديمقراطي.
وبحكم دوري وعلاقاتي مع جميع هذه الاوساط والمنظات نساهم انا وكل العائلة في فعالياتها ونشاطاتها جميعا وكذلك في فعاليات ونشاطات الاحزاب المختلفة والجهات والاطراف الكنسية والدينية الاخرى. وفي هذا الصدد اود ذكر دوري وعملي في استقبال ولقاء العديد من الوجوه الفنية والثقافية والسياسية التي زارت استراليا على مر السنين منهم الفنان المغني الراحل فؤاد سالم والشاعر سعدي يوسف والشاعر مظفر النواب والمتضلع باللغة السريانية بنيامين حداد والمناضل نينوس بثيو سكتير زوعا السابق والمناضل يونادم كنا سكرتير زوعا الحالي والسناتور الامريكي الاشوري الاصل الراحل جان نمرود الذي كان سكرتيرا للاتحاد الاشوري العالمي وآخرين.

في استراليا ايضا عملت في الاشراف على وادارة الانتخابات ولعدة دورات سواء البلدية منها او انتخابات الولاية او الفيدرالية. وبعد سقوط النظام الديكتاتوري كنت ضمن الفريق المشرف على الانتخابات العراقية في استراليا كمسؤول عن تدريب الكادر العامل في هذه الانتخابات.
وقبل ختام هذا المحور اود اضافة بضع جمل عن ما ذكرته اعلاه عن عبور قيس المانش سباحة. ما حفز قيس للتفكير بكذا مغامرة هو اصابة مارك ابن وفاء حفيدة عمي بيبو بسرطان الدم. وقتها كان مارك ابن ال12 سنة وادخل المستشفى فورا وكنا نزوره باستمرار فتاثر قيس لحال مارك وبالرعاية الرائعة التي كانت تقدمها المستشفى فقرر وهو سباح جيد ان يقوم بعبور المانش كعمل خيري لصالح المستشفى. فاتصل باحد مدربي السباحين الاولمبين ليوجه قيس في تدريباته فقبل المهمة من دون مقابل وبدأ قيس تدريباته التي استمرت سنتين والتي شملت سباحة يومية من الساعة الخامسة وحتى السابعة قبل التوجه للعمل صباحا وكذلك سباحة في الظهر ومساءا بعد الدوام يوميا وايضا سباحة في المحيط في شواطئ سدني ايام السبت والاحد كل اسبوع. في نفس الوقت فتحت المستشفى حسابا خاصة في البنك للتبرعات التي صارت تصل بعد ان سمع اهل الخير بالمهمة التي قيس في صددها. خلال الدريبات التي استمرت سنتين وقيس مواظبا على عمله اليومي بدون توقف قطع قيس ما مجموعه اكثر من 5000 كم من السباحة. كان من جملة متطلبات هيئة عبور المانش لتأهيل السباح للعبور هو السباحة في الماء البارد شتاء في درجة تحت 14 مئوية ولساعات عديدة وكذلك السباحة ليلا في الظلام لساعات اخرى وايضا سباحة مسافة مساوية لطول المانش في المحيط المحاذي لسواحل سدني.
انجز قيس كل هذه التدريبات والمتطلبات تحت اشراف ومراقبة مدربين مخولين رسميا . بعدها وافقت هيئة عبور المانش على اعطاء قيس فرصة للمحاولة وكانت خلال شهر تموز 2008 وخصصت المراقبين اللازمين والزورق الذي سيرافقه في السباحة. في اوائل تموز سافر قيس وزوجته وطفله الذي عمره اقل من سنة الى انكلترا. كما سافرنا انا وزوجتي والتحقت بنا شيرين التي كانت تعمل في لندن انذاك كما سافر مدرب قيس وزوجته والسباح المرافق ووالديه (السباح المرافق هو من متطلبات هيئة عبور المانش ينزل ويسبح لفترة قصيرة بين مدة واخرى مع السباح الذي يحاول العبور) ونزلنا جميعا في مجمع سياحي قرب دوفر على ساحل المانش. وكنا بانتظار ايعاز هيئة عبور المانش عن يوم وساعة المحاولة الذي كانت تحدده اعتمادا على الانواء الجوية وعوامل اخرى في هذه الاثناء واصل قيس تدريباته في البحر الانكليزي.
مساء احد الايام بلغنا بان المحاولة ستبدأ في الخامسة من صباح اليوم التالي وبالفعل في تلك الساعة وبعد ان دهنا جسمه بالشحم لتقيه من البرد (درجة حرارة الماء كانت حوالي 10 درجات مئوية) انطلق قيس في محاولته الجريئة وكله عزم وتصميم. كنا انا وابنتي شيرين في الزورق المرافق مع المراقب الرسمي ومدرب قيس والسباح المرافق ووالده وقبطان الزورق. واصل قيس سباحته وكنا كل ساعة وحسب تعليمات المراقب نرمي له قنينة مربوطة بحبل طوله عشرة امتار تحتوي على سوائل مغذية يشربها قيس بسرعة ونسحبها فارغة. وكل ساعتين ينزل السباح المرافق ويسبح مع قيس لفترة قصيرة تحت مراقبة المرافق وتوجيهه. كان على قيس ان لا يقترب عن الزورق المرافق اقل من 10 امتار كما كان عليه ان لايتخلف عن الزورق والا تعتبر محاولته فاشلة استمر الحال هكذا طوال كل الفترة ورغم الارهاق والتعب والجوع لم تهن عزيمة قيس واستر بسباحة نشطة حتى وصل الساحل الفرنسي عند كاليه.
حاول الوقوف فلم يستطع لشدة تعبه وبعد عدة محاولات شاهدناه ونحن في الزورق المرافق (حيث لم يكن مسموحا لنا وصول الساحل) يركض ويرقص فرحا ثم قام برفع العلم الاسترالي الذي اهداه اليه رئيس البرلمان الاسترالي قبل سفره لانكلترا ثم العلم العراقي الذي اهدته اياه السفارة العراقية ثم العلم الاشوري الذي اهداه اياه رئيس النادي الرياضي الاشوري في سدني. بعدها عاد قيس الى الزورق المرافق لنعود الى دوفر ومن شدة ارهاقه وبعد تناوله شوربة اعدتها له والدته مسبقا استغرق في نوم عميق حتى عدنا الى الجانب الانكليزي للمانش. من الجدير ذكره ان المسافة المستقيمة للمانش هي 33 كم الا ان وبسبب المد والجزر بلغت المسافة التي سبحها قيس تقريبا 52 كم من دون توقف وبوقت بلغ 12 ونصف ساعة. كان هذا انجازا عالميا عظيما لقيس ونزل اسمه في السجل التاريخي لعابري المانش وحسبما بلغونا به فهو ثاني عراقي واول عراقي مغترب واول شاب سورايا يحقق مثل هذا الانجاز. (رابط 6)
بعدها بيوم سافر قيس وعائلته الى ميونيخ لحضور مؤتمر ذي علاقة بعمله وعند عودته الى سدني جرى تكريمه من اطراف عدة منها مستشفى الاطفال (الذي بلغت التبرعات التي وصلته تقريبا 180 الف دولار) وكذلك الشركة التي كان يعمل فيها ومعهد الاكتشواري الذي ينتمي اليه قيس ومنتدى الجامعيين العراقيين والنادي الرياضي الاشوري وآخرين. من المفرح جدا ذكره ان مارك تم شفائه من مرضه واكمل الدراسة الثانوية وهو الان يعمل في احدى الشركات.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل!