اجرى الحوار” منذر حبيب كلّه المقدمة “
قدمت نخبة التربويين من المدرسين والمعلمين في القوش جهودا استثنائية كبيرة بمجال التعليم في اصعب الظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت ابتداء بالبنايات الغير مخصصة للمدارس و التي كانت اهلية والكوادر القليلة والظروف الاجتماعية الصعبة من حيث تدني المستوى المعيشي للعائلة وانتهاءا بالتحولات السياسية في قيام ثورة14 تموز 1958 و انقلاب شباط 1963 وتموز 1968وتاثيرهما المباشر وخاصة قصبة القوش التي كان التعليم فيها يعاني المزيد من الصعوبات في موضوع التعينات والتنقلات ، وسط تلك الظروف برزت النخبة التعليمية التربوية المعروفة ، وكان الاستاذ الفاضل (سعيد ميخا حنا )ضمن ذلك الرتل المتقدم ، ولكوني احد طلبة الاستاذ سعيد في السبعينيات من القرن الماضي ، نضجت فكرة اللقاء به لتوثيق بعض الاحداث والنشاطات التعليمية والاجتماعية والسياسية المتعلقة بشكل مقتضب ،واستجاب مشكورا ، ولي الشرف في انني اليوم اعمل جنبا الى جنب مع الاستاذ سعيد ونخبة ثقافية تعليمية طيبة من ابناء البلدة في (جمعية القوش الثقافية ) منذ تاسيسها الى حد هذا اليوم .آملا ان يصب هذا اللقاء في خدمة بلدتنا العزيزة القوش ،فاهلا وسهلا بالاستاذ (سعيد القس نونا ) في هذا اللقاء “
السيد منذر كلّه “
من هو الاستاذ سعيد ، ارجو ان تعرف القاريء الكريم بموجز لشخصيتك الكريمة المعروفة في ناحية القوش وخاصة بين الهيئات التدريسية لثانوية القوش والطلاب الذي تخرجوا منها في فترة خدمتك في مجال التعليم في القوش .
الاستاذ سعيد القس نونا “
انا مدرس متقاعد حاليا ومن مواليد القوش 1940ومنحدر من عائلة فلاحية ، دخلت مدرسة القوش الابتدائية التي كانت تشغل بناية مدرسة مار ميخا الحالية سنة 1946 وفي سنة 1952أكملت دراستي في ثانوية دهوك للبنين وحصلت على المرتبة الاولى في الامتحانات العامة ( الوزارية ) لمرحلة الثالث المتوسط والخامس العلمي ، وفي عام 1957 التحقت بدار المعلمين العالية والتي استبدل اسمها الى كلية التربية وكانوا خريجو هذه الكلية مؤهلين للتدريس في المدارس الثانوية لان المناهج التدريسية فيها تشمل دروسا خاصة كالتعليم الثانوي واصول التدريس وعلم النفس التكويني وعلم النفس العام والفلسفة اضافة الى تطبيقات عملية وكانت وزارة التربية ملزمة بتعيين خريجيها .
منذر كلّه ” متى صدر الامر الاداري لتعينك ، وكيف كانت البداية كمدرس لاول تعين
الاستاذ سعيد “بعد تخرجي من كلية التربية صدر امر تعيني الى متوسطة الجزيرة في تلعفر وباشرت بالتدريس فيها في 17/12/1961حيث درست مادة الاحياء للثاني المتوسط ، واوكل ألي تدريس الكيمياء للصف الرابع والخامس العلمي في اعدادية تلعفر ولكوني مدرس حديث الخدمة كنت احضر المادة بشكل مركز يوميا لتلافي وقوعي في أخطاء ( اثناء القاء المحاضرة ) وكانت نسبة النجاح لطلاب الخامس العلمي الوزارية مئة بالمئة .
وبعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 تم القاء القبض علي من قبل شرطة تلعفر وتم توقيفي في سجن الموصل ( المحجر ) وبعد ان قضيت ثلاثة اشهر داخل السجن تم اطلاق سراحي مع سحب اليد من الوظيفة آنذاك .
وفي بداية سنة 1964 اتصل بي المرحوم الاستاذ منصور اودا مدير ثانوية القوش للبنين ، قائلا ان طلاب الخامس العلمي لم يدرسوا مادة علم الحيوان وليست لديهم درجات لحد الان ، واذا لم يكن لهم معدل السعي السنوي سيحرمون في الاشتراك في الامتحان الوزاري لأن المدرس الموجود حاليا هو ادريس قصاب باشي وهو خريج كلية الزراعة وامتنع عن تدريسهم ( وكان بعثيا واصبح عضو فرع نينوى فيما بعد ) ، واخبرني المرحوم منصور بان المحاضرات ستكون باسم اخيك حنا وانت تقوم بتدريسها ، فوافقت بشرط اشغال جميع دروس الرياضة والرسم والدين بتدريس علم الحيوان فوافق المرحوم منصور وباشرت بتدريس مادة علم الحيوان واكملت المنهج خلال شهرين واشترك جميع الطلاب في الامتحانات العامة ( الوزارية ) وكانت نسبة النجاح في علم الحيوان مئة بالمئة ،
في 5/7/1964 تمت محاكمتي وصدر قرار الحبس بحقي لمدة ستة اشهر في سجن الرمادي وبعد انقضاء فترة الحبس لم يطلق سراحي ، وبقيت محجوزا الى ان صدر قرار من رئيس الوزراء( طاهر يحي ) باطلاق سراح كافة المحجوزرين في 5/2/1965 .
تم بعدها اعادتي الى الخدمة ونسبت الى اعدادية الشطرة للبنين .
منذر كلّه
متى انتقلت الى ثانوية القوش ، واين كانت البناية ، ومستوى التعليم لدى الطلاب في ذلك الوقت وخاصة ان المجتمع الزراعي كان سائدا لدى العائلة الالقوشية وان معظم الطلبة يشاركون اهلهم في المجال الزراعي .
الاستاذ سعيد “
بناءا على طلبي تم نقلي من اعدادية الشطرة للبنين الى ثانوية القوش للبنين حيث باشرت الدوام فيها يوم 16/9/1968 وكانت تشغل بناية المرحوم شيشا كلّه ، اما مستوى التعليم لدى الطلاب بصورة عامة آنذاك كان جيدا ، وكان الطلاب وذويهم يولون اهتماما كبيرا في التعليم املا بأكمالهم الدراسة وتعيينهم في وضيفة تساعد عوائلهم في المعيشة وتخلصهم من مشقة العمل في مجال الزراعة البدائية القاسية .
سؤال آخر ” ماهي اهم المعوقات التي كانت تواجه الهيئة التدريسة آنذاك حيث الوضع الامني الصعب وحركات الشمال كما كانت تسمى الثورة الكردية ، وعدم ملائمة الصفوف و عدم توفر المختبرات والتجهيزات المدرسية بصورة عامة في الوقت الذي كنت معاونا للثانوية وبعدها مديرا للمدرسة .
الاستاذ سعيد القس نونا “
بعد التحاقي بثانوية القوش للبنين بفترة قصيرة حدثت مشكلة بين المدرس ياسين محمد مصطفى وجوزيف توما توماس وعند مراجعة المرحوم سالم اسطيفانا للمدرسة نيابة عن ولي امر جوزيف ، حدثت مشادة كلامية بينه وبين المدرس ياسين تطورت الى عراك بالايدي فتدخلت انا والمرحوم جرجيس حميكا مدير الثانوية لفض النزاع بينهما وتعقد المشهد الامني في القوش نتيجة لذلك ، وتم نقل خمسة مدرسين من المدرسة لعلاقتهم بتحريض المدرس ياسين وخوفاً عليهم وكذلك تم نقل المرحوم جرجيس حميكا ادارياً بتاريخ 22/10/1968 .
ونظرا لكوني اقدم مدرس في المدرسة كلفت بادارتها وكالة الى حين اعادة المرحوم جرجيس حميكا للادارة ثانية عام 1970 .
اما تكليفي بعمل معاون الثانوية فكان في 17/5/1981 ولحين احالتي الى التقاعد ، وكانت اهم المعوقات في تلك الفترة هو تفرغ المدرسين البعثيين والمدير للعمل الحزبي اكثر من التعليم وكانت العملية التعليمية بصورة عامة مكرسة لخدمة الحزب حيث تعطل المدارس لابسط المناسبات للاشتراك بالاحتفالات والمسيرات وما شابه ذلك ويكلف المدرسون بما يسمى الجيش الشعبي والحراسات الليلية .
منذر كلّه ” كيف كان مستوى مدرسة ثانوية القوش بالنسبة للمحافظة , وكم كان عدد الطلاب المتخرجين من الصف السادس العلمي تقريبا ، خاصة ان وسائل التوضيح والمختبرات كانت في بدايتها او تكاد تكون معدومة حسب علمي “
الاستاذ سعيد القس نونا “
كان مستوى طلاب ثانوية القوش بصورة عامة جيداً وبالنسبة للمرحلة المتوسطة كانت نسبة النجاح في كثير من السنوات جيدة جدا وتحتل مرتبة متقدمة على المحافظة ، اما عدد الطلاب الخريجين من السادس العلمي فكان يتراوح بحدود (25 – 30 ) طالب تقريباً مع تفاوت بين سنة واخرى.
منذر كلّه “
ماهي اهم المفارقات والمواقف المحرجة التي واجهتك خلال السنوات الطويلة من تادية خدمتك التعليمية ، وكيف كان نشاط مجلس الاباء ، وعلاقة الهيئة التدريسية باولياء امور الطلبة ،
الاستاذ سعيد ميخا “
بالنسبة لنشاط مجلس الاباء كان شكلياً لا يرتقي الى مستوى الطموحوكان تنفيذا للتعليمات الصادرة من التربية فقط ، وعلاقة الهيئة التدريسية باولياء الامور كانت متفاوتة من مدرس الى اخر وحسب تعاونه مع ادارة المدرسة وكذلك بالنسبة لاولياء الامور ايضاً .
اما المفارقات والمواقف المحرجة خلال الفترة التي كنت وكيلا للمدير هي المشكلة التي اثارها المدرس منذر بطرس نتيجة لتلفظه ببعض الكلمات التي تغيض الاخوة الايزيديين وبعد تدخلي بالموضوع اعتذر من الطلبة في داخل الصف حيث لم يكن ذلك مقصوداً الا انه اعاد ذلك وبصورة عفوية بعد بضعة ايام مما سبب تصعيدا للموقف ومحاولة الاعتداء عليه في اليوم التالي مما ادى الى نشوب عراك بين الطلبة الايزيدية وطلبة القوش .
تم استغلال الحادثة سياسياً وشن هجوم مسلح الى القوش وتوقف الهجوم بعد دخول قوة عسكرية من الجيش الى القوش الا ان قائد هذه القوة كان منحازا الى جانب المسلحين من الايزيدية ، وفي هذا الاثناء تم تشكيل وفد من المرحوم المطران عبد الاحد صنا والمرحم بطرس لاسو والمرحوم يوسف عوصجي وانا لمراجعة السؤولين في الموصل وتمكنا من مقابلة قائد الفرقة الرابعة (عبد الجبار الاسدي) بواسطة كهنة الموصل واوضحت له كافة ملابسات القضية وكان متجاوبا معنا ، وبعد ذلك غادرنا مقر الفرقة الرابعة وبعد وصولنا الى مقر البطريرك القديم في الموصل طلبنا قائد الفرقة بواسطة الهاتف للحظور الى مقر الفرقة الثانية وعند مقابلتنا له في المرة الثانية كان موقفه متغيرا تماما وكان الامير تحسين بك حاضرا عنده.
في اليوم التالي قابلت مدير التربية الاستاذ هشام الطالب وقدمت له تقريرا مفصلا بالحادث فقال لي هذا المدرس اثار مشكلة في العمادية فنقلناه الى تلعفر وهناك ايضا اثار مشكلة فنقلناه الى القوش مسقط راسه فاين انقله الان؟
وكان مدير التربية الشخص الوحيد الذي دافع عن القوش عند مناقشة القضية في قيادة فرع نينوى لحزب البعث المنحل واغلق الموضوع .
بعدها اراد الطلبة الازيديين الرجوع الى الدوام في المدرسة الا انهم كانوا خائفين فتوجه وفد مكون من ضابط الشرطة والمرحوم القس يوحنان جولاغ وانا بسيارة الجيب العائدة للسيد ميخائيل توماس الى بيبان وكان باستقبالنا فاروق بك وبعض مرافقيه والطلبة الازيدية فوعدناهم بان لا يعتدي عليه احد ونعوضهم عن الكتب والقرطاسية التي فقدوها وبذلك انتهت المشكلة .
اما المفارقة الاخرى ، في بداية العام الدراسي 1970 ونتيجة لوشايات كاذبة نقلت اداريا الى ثانوية الزاب والمرحوم اندراوس حنا الى ثانوية القيارة والمرحوم نوري حبيب بردرش والاستاذ نجيب اسطيفانا الى ثانوية زمار .
وعن طريق احد الاصدقاء تمكنا من مقابلة امين سر فرع نينوى لحزب البعث المنحل (عبد العزيز الكيلاني) وكان مقيما في فندق اطلس في الدواسة ، وبعد مناقشات دارت بيننا تاكد لديه باننا نخبة مثقفة وليست لدينا اية ارتباطات حزبية وقال بالحرف الواحد انا معجب بكل انسان مثقف ، ودعانا الى وجبة عشاء وعلى حسابه الخاص ووعدنا بان نلتقي معه في اليوم التالي امام غرفة مدير التربية الساعة التاسعة صباحاً وعند خروجه من غرفة مدير التربية حسب الموعد قال لنا ارجعوا الى مدرستكم الاصلية وسيصل كتاب الغاء امر النقل الى مدرستكم .
سؤال آخر ” متى تم احالتك على التقاعد ، وماهي اهم نشاطاتك الاجتماعية والثقافية في القصبة كونكم من النخب الاجتماعية والثقافية والتعليمية ومن ابناء القصبة وخاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ شعبنا بعد قدوم داعش الارهابي ،وكيف تقضي اوقات فراغك ؟
الاستاذ سعيد “
تم احالتي الى التقاعد في 9/6/1990 والانفكاك من المدرسة في 30/6/1990 بعد الظهر ، اما بالنسبة للنشاطات الاجتماعية والثقافية فقد اشتركت مع مجموعة من المدرسين والمعلمين وبالتعاون مع المرحوم القس يوحنان جولاغ والمرحوم القس يوسف توماس وبموافقة المرحوم المطران عبد الاحد صنا في انشاء مسرح في كنيسة مار يوسف الواقعة في السوق القديم في القوش وقدمنا مسرحية هادفة عنوانها (نقد الزواج) ( نقدي دكالو ) وقد اشترك كما اعتقد القس يوحنان جولاغ والمرحوم عمانوئيل قيا بلو بتاليفها واخراجها وكان الهدف منها توعية الناس بمخاطر الارتفاع المستمر في (نقد الزواج) حيث سيشكل عائقا امام زواج الشباب ، وقد استوعب الناس هذا المضمون وبعد مناقشات مع سيادة المطران عبد الاحد والكهنة ومجكوعة من الوجهاء والمثقفين تم اصدار قانون كنسي يحدد (نقد الزواج) (بمائة وخمسون دينار) وكنت انا اول شخص يتزوج بموجب هذا القانون .
في بداية السبعينات اشتركت مع مجموعة من المثقفين في تاسيس نادي القوش الرياضي وكنت رئيسا للهيئة التأسيسية واول رئيس منتخب للهيئة الادارية .
وفي الثمانينيات كنت رئيس المراقبة في جمعية القوش التعاونية الاستهلاكية وبعد سقوط نظام صدام اشتركت ايضاً في تاسيس جمعية القوش الثقافية في 26/5/2003 حيث كنت عضوا في الهيئة التاسيسية وعضواً في الهيئة الادارية بعد الانتخابات لدورتين .
اما عن اوقات الفراغ فانا اعمل في حديقة المنزل لفترة طويلة بالاضافة الى المطالعة وتصفح الانترنت احياناً وفي المساء اتواجد في جمعية القوش الثقافية مشاركا في جميع نشاطاتها اضافة الى النشاطات الاجتماعية المختلفة التي تحصل في القوش .
سؤال اخير
كيف تجد مستقبل قصبة القوش بعد ان هاجرت العشرات من العوائل والشباب خارج الوطن؟ ، وماهي اهم العوامل التي تساعد على ثبات الشباب في الوطن والبلدة والحد من هجرتهم ؟
الاستاذ سعيد “
القوش بلدة عريقة ليست وليدة اليوم او الصدفة حيث تمتد جذورها الى اعماق التاريخ فهي تشبه الشجرة الباسقة التي تغلغلت جذورها في اعماق التربة تبقى يانعة وخضراء ومثمرة مهما حصل من جفاف .
ستبقى القوش شامخة وسامقة باهلها مهما حصل من هجرة ابنائها لانها ولودة وتعرضت الى موجات مشابهة عبر التاريخ وتجاوزتها بامان .
اما اهم العوامل التي تساعد على ثبات الشباب في الوطن والقوش هو توفير الامن والاستقرار وتوظيف الخريجين وفرص عمل للعمال وتوعية الشباب والمجتمع بصورة عامة بحب الوطن والتعلق بالبلدة .
واخيرا لا نسى ان تاريخ القوش زاخر باسماء عظيمة من قادة وابطال ورجال دين مشهورين من بطاركة وكهنة وخطاطين وادباء وشعراء وعلماء .
هل يمكن ان يزول او ينمحي هذا التاريخ بسبب ما نشهده من الاحداث الاخيرة الساخنة ؟ بالتاكيد الجواب كلا .
في الختام “
اشكرا الاستاذ سعيد ميخا حنا القس نونا لاتاحته الفرصة لاجراء هذا الحوار الثقافي الشيق متمنيا له كل الخير و الصحة الجيدة والعافية والعمر المديد بعد احالته على التقاعد . وللاستاذ سعيد جزيل الشكر والتقدير للجهود الكبيرة التي بذلها في رفع المستوى التعليمي لمدرسة ثانوية القوش بشخصيته القوية المعروفة الذي ساهم في اعداد الطلاب في المراحل النهائية للتخرج ومساعدة اهلهم بعد التوظيف واخيرا زيادة نسبة الموظفين في عموم ناحية القوش وتقديم الخدمات لاهالي القصبة وجميع ابناء القرى التابعة للناحية .
ولكم خالص شكري وتقديري
القوش في 7 شباط 2017