قدم الاخ استاذ جلال جما محاضرة اجتماعية بعنوان العائلة والحوار يوم الجمعة المصادف بتاريخ 21\9\2012 في كنيسة مار القرداغ,
وهذه ملخص المحاضرة :
العائلة والحوار
الجماعة الاولى التي تحتضن الانسان هي العائلة فهي المسؤولة على توفير كل الاحتياجات الجسدية والنفسية والروحية وفي نفس الوقت فأن العائلة تمثل تحدي امام الذاتية والفردية, فلكي تنجح العائلة يجب ان تخف حدة الافرجة والرغبات لتحل محلها التضحية والتكييف مع مراعاة عدم ذوبان الصفات الشخصية والتماهي في الاخر ان مراعاة هذه الامور يصبح اكثر الحاحا كلما تطورت الاوضاع في الاتجاهات شتى, فالعائلة تصوغ الفرد ببصمتها التي يصعب ان تمحى مع الزمن فمن الضروري ان يكون هذا التأثير الفعال أيجابيا ناتج عن وعي عميق ونضج نفسي وروحي فتكون الصياغة تهيئة جيدة وتمهيد لحظور محفل اكبر هو المجتمع الذي يتعطش لكل القدرات والطاقات المتميزة لغاية اثرائه وخلق اجواء حاضنة ايجابية ممتعة يجد فيها جميع الافراد مجال لنشاطهم وبيئة مشجعة للمساهمة في الترسيخ المقومات والقيم الاساسية للمجتمع.
والسؤال هنا من هي العائلة التي تستطيع ان تقدم خدمات واجواء مناسبة تفيد في بناء الشخص بطريقة تسوية ونافعة؟ فأذا كان الوالدين لا تجتمع فيهما الصفات نموذجية وفي مقدمة منها النقاء والروح الخدمة والطيبة فأن توجيه البوصلة لايمكن ان يكون صحيحا .
على هذه الصخرة ممكن بناء عائلة جيدة تأخذ مداها الى المجتمع الاكبر والاكبر وفعاليتها تكون مميزة على طول المسيرة ولكن لايكتمل الاحد بالخطوة الاولى رغم انها اساسية فالحوار مستمر والصادق وتوفر مجال الديمقراطي فيجري الاخذ والعطاء وطرح الاراء في اجواء ايجابية تغنى العائلة وتخلق فيها الدينامية والحيوية لا تعرف التوقف وهنا نتوقف عند الحوار فهو نقطة الارتكاز التالية والمهمة هي الاصغاء والابداء الرأي والقناعات وسط التشجييع من الاباء للأبناء واحترام كل الاراء والافكار والتوصل الى القناعات راسخة فيما يخص القيم الاساسية الواجب توفيرها في العائلة والمجتمع وهي المحبة والخدمة والعطاء والتسامح والاعتراف بالخطأ ….ألخ.
ان صيغ الحوار تحتاج الى دراية جيدة لانه يدور بين الاعمار متباينة لكل فئة اهتمامات خاصة فعالم الطفل يختلف عن العالم المراهق وعالم البنت تختلف عن العالم الولد .. الطفل يحتاجالى بيئة حاضنة مشوقة تنشط خياله الايجابي عبر التعبير الواضح عن المحبة وتقديم النموذج الصالح من الوالدين فضلا عن تسليط الضوء على بعض الامور التي تخص عالم الطفولة بنوع من المبالغة وضرورة المحاسبة بطرق تربوية دون اللجوء الى العنف اللفظي او المادي , وهكذا الحال فأن العمر المراهقة يحتاج الى فتح فضاءات ايجابية وزرع الثقة فيهم لغرض اكتشاف ذواتهم دون فرض ارادة الاباء على الابناء فقد يؤدي هذا العمل الى مسخ شخصية المراهق فيكون صورة الاب او الام وهذا خطأ لان لكل شخص ميزات خاصة به يشترك مع الاخرين دون ان ينصهر فيهم فتكون العئلة ثرية بميزات ومزايا عديدة صالحة تعمل بأنسجام مع بعضها فتكون مثل الحديقة بأنواع عديدة من الورود فما اجملها ….
واخير فيما يخص الحوار مع الراشدين فهم محل الثقة ومصداقتهم واجبة كذلك الامر في مشاركتهم في اتخاذ القرارات المهمة قرارات مشبعة من جوانب عدة لانها خضعت الى الحوار الديمقراطي ساهم به الراشدون امضوا فتراتهم السابقة في جو من الحنان والتقة فنمت شخصيتهم بالقامة والحكمة والنعمة معا.
ولا ننسى ان الحوار ليس كل اللغة المستخدمة لان التواصل يكون ايضا بالابتسامة عند الرضى والنظرة الحادة عند الرفض ونظرة الحنان والصراحة في بعض المواقف والقاطعة في احيان اخرى والسكوت وترك الوجه لوحده يعبر عن مواقف يصعب التعبيير عنها في الكلام وقد نلجأ الى البكاء في حالات نادرة فكلل وسائل اللغة متاحة لأجل الوصول الى الحقيقة وايصالها من القلب الى القلب فالجانب العاطفي والانفعالي منهم ايضا.
واذا كنا قد سردنا موضوع القيم لابد ان نؤكد على توفير الاجواء الروحية الانسانية لديمومة هذه القيم وتحويلها الى سلوك يوحي من خلال قراءة الكتاب المقدس والتذكير بقصص القديسين وبطولاتهم في الثبات والنبل والمحبة والتضحية ليكونوا امثلة يقتدى بها .
ان العائلة التي يقودها الوالدين بهذه الطريقة البسيطة طريقة الحوار وفسح المجال عبر اجواء الثقة والمتعة والايمان تكون عائلة فعالة في مجتمعها ومسؤولة تؤدي واجبها بكل حب واحترام هذه الطريقة من الادارة نستطيع ان نسميها اسلوب الدائرة المستديرة حيث الاب يقود ولا يسلط والام مع الاب يشكلان نموذجا ايجابيا دائم المبادرة فلا شيء يتوقف طلما تنشد الحياة. ألا ان في الافق مخاطر على العائلة والمجتمع. فعندما تطمئن العائلة وتستقر وتستنشق الصعداء تغفل ان في المجتمع مؤثرات كثيرة اغلبها سلبي والقليل منها ايجابي وخاصة في هذه الايام حيث ليس بالامكان التعبيير بسهولة بين الصح والخطأ بسبب الاخطلاط الذي حصل والضياع المرجعيات وضعف دورها وبروز اتجاهات حزبية وسياسية ترفع شعارات براقة وفي الغالب تسبب تفكك وعداء وازاحة ثقة الى جانب وسائل الاتصال الكثيرة التي شغلت بال الشبيبة بقوة كونها تنقل بطريقة جذابة ومثيرة فترى مثلا برنامج عن المكياج او تصفيف الشعر يأخذ الاهبة القصوى او طريقة قص الاظافر … الخ, ونترك الموضوعات الواقعية والانسانية المهمة لأنها لاتجد من يتحدث عنها بطريقة واسلوب فيه من الدهشة الانجذاب فلا زال السرد الروتيني والسطحي لمثل هكذا موضوعات هو السائد وهذا التحدي الجديد يجرد الشبيبة من العمق فيبقى عالقا بالمظاهر والسطحيات يجد لنفسه مكانا وملاذا يتحول عنه الى اخر ولكنه اخيرا سيعود الى العائلة فيما اذا كانت تقدم اروع والافضل فيجد لنفسه مكانا آمنا وممتعا يتمتع بالثقة والمكانة المميزة في اجواء المحبة والصدق ووجود النموذج المجرب (الوالدين) والذين بدورهما علاقة او انعكاسات لمثلنا الاعلى في كل مجال وهو يسوع المسيح له المجد مثل الابن الضال حدث الاخر نفسه للأبن الاصغر هذا الذي اغرته المتع والصحبة الرخيصة ولكنه مع الصدمة تذكر حضن الاب الحنون فعاد يطلب ان يقبل كخادم بهذه الطريقة , تستطيع العائلة التي تلعب دورها من خلال الحوار والتصرف الايجابي فيرفد الاثنان العائلة الناجحة وهي كما علمنا النواة الاولى للمجتمع صلاحها يعني صلاح المجتمع وتفككها يعني العكس تماما لذا فأن اهمية العائلة تتطلب جهود المؤسسات المجتمعية الرسمية وغيرها لانها ضمان لحياة هادئة ومجتمع متواضع.