المطران فيليكس سعيد الشابي / زاخو
الدنح، كلمة ارامية تعني شروق او انفجار او بزوغ او شروق الضوء.
في المسيحية، المسيح هو الضياء الذي ينير لنا دربنا. كما قال الرب نفسه: “انا نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلام” (يوحنا 8: 12). ويذكرنا مار بولس: “كنتم قبلًا ظلمة وأما الآن فنور في الرب ” (افسس 5: 8). وبسبب النور الذي نقتبله من الرب يسوع في يوم عماذنا والذي يرمز اليه بالثياب البيض، هكذا نجد للدنح معان روحية ودينية عميقة، ودعوة عريضة لنا للسير في النور وتجنب الظلمة، على خلاف اسلافنا، بني البشر، بشتى اجناسهم واعرافهم: “واحب الناس الظلمة اكثر من النور” (يوحنا 3: 19).
اليوم تاتي الينا رسالة الدنح: ثورة على المالوف الخاطيء، وعلى الظلام المنتشر في حياتنا وحياة المجتمع من حولنا. فلا زالت الاعراف والتقاليد تسيطر على الكثير من مفاصل حياتنا، وكاننا لا زلنا نعيش في العصور المظلمة. وللاسف احيانا تطبق هذه الاعراف والتقاليد بتاييد واصرار من الكهنة ورجال الدين قبل الشعب.
اورد مثالا بسيطا حول تقاليد عيد الدنح. فاذ اصدرنا ايضاحا وتوعية بخصوص عدم تعميذ طفل المغارة بالماء او المسيح المصلوب في حوض الماء المقدس. اهمل بعض الكهنة -خارج الابرشية- الملاحظة وكأن ما يقوم به هو تقليد مقدس، مع علمه انه من طقوسه هو، وبه يحافظ على مصلحة ما او لارضاء البعض من الناس! ومما اثار اعجابي وفرحي كان العلمانيون انفسهم، والاكبر سنا منهم قبل الشباب! حيث ايدوا واشادوا بخطوة التصحيح التي اتخذناهنا مقابل الموروث الشعبي الدخيل واللاديني الى الطقوس الكنسية، والذي كان يتم تحت حراسة ودفاع بعض رجال الدين، وكانوا يجاوبون بجرأة وصراحة على الموقف السابق: “سيدنا ماذا نعمل فكل قس كان يحب ان يعمل ما يحلو له، وما نحن الا مؤمنون طائعين”…
هناك بالطبع امثلة اخرى كثيرة للتقاليد الشعبية الخاطئة التي دخلت الى حياتنا الكنسية والمدنية، وهي تعكس ضعف الايمان اولا، والجهل بالعقيدة الكنسية ثانيا، والبقاء والمراوحة في نفس الموضع ثالثا، بحجة إن هذا “يعجبني” او لانه “يريحيني”! فلا زال العريس الى اليوم يتقدم الى سر الزواج وفي كتفيه مغروزة “4 دنابيس” بشكل صلبان على كتفيه، وكأن المحاضرات التي يتلقاها الخطيبان من الكهنة، وصلوات السر الذي يقبله والتي تستمر حوالي 45 دقيقة من الوقت، تعد غير كافية او كفيلة بابعاد العين الشريرة او طرد الشياطين عنه، بحسب عقلية الام او الحماة!
ناهيك عن العادات والتقاليد الخاصة بالتعازي، والتي كنا قد ارتحنا من قوانينها المتعبة، وها هي تعود الان مع وباء كورونا، خاصة عندما تكون التعزية لشخص شاب. حيث يتقاطر الاقارب والاباعد الى البيت، وقد يصابون هم ايضا بوباء كورونا ويصيبون غيرهم، ولكنهم لا يهتمون وذلك فقط من اجل “تأدية الواجب”! فاين الجانب الايماني هنا؟ فان كنت لا اخاف على نفسي، افلا يجب ان اخاف على قريبي؟ “احارس انا لاخي” (تكوين 4: 9).
ان الكنيسة هم ام ومعلمة، لذا من واجبها ان تكون نبية وسط عالم مملوء بالخرافات، تقوده الاعراف والتقاليد الشعبية، على مثال الرب الذي بشر دون تردد: “ها اني اطرد الشياطين، واشفي اليوم وغدا، وفي اليوم الثالث اكمل” (لوقا 13: 32)، وكما قال مار بولس: “الويل لي ان لم ابشر” (1كور: 9: 16). فنحن مدعوين لان نكون “ملح الارض ونور العالم” (متى 5: 13-14).
فلا يجب ان نتراجع عن واجبنا في التصحيح والنصح الاخوي والابوي، وان تراجعنا عن دورنا التوعوي، فهذا معناه اننا فقدنا دورنا القيادي والراعوي، واصبحنا نسير مع القطيع. ان عدم الالتزام بقواعد السلامة العامة، وقلة الوعي والادراك الصحي، حتى عند رجال الدين، ادى ويؤدي الى تفشي مرض كورونا، وعدم القدرة على السيطرة عليه، وذلك بسبب عدم تمكنهم من ضبط مؤمنيهم او توعيتهم بالدرجة المطلوبة، وقد يخاف ان يزعل هذا او ذاك، على حساب سائر الكنيسة!
ختاما، نسأل الرب يسوع، ونحن في موسم الدنح هذا، ان يهبنا من نوره الالهي، ليزداد وعينا وندرك مسؤوليتنا الحقيقية، تجاه انفسنا وتجاه القريب، لان الرب يسوع “فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم ” (يوحنا 3: 17)، هكذا علينا نحن ايضا ان نكون حريصين على السلامة الروحية والجسدية لمؤمنينا، خاصة في وقت الوباء هذا، وان تطلبت التوعية البعض من العزم والشدة من اجل الخير العام وخلاص النفوس.
فثورة الدنح هي ثورة النور على الظلام، ثورة المعرفة ضد الجهل، ونحن مسؤولين امام اللـه والناس على حراسة هذا الواحب النبيل، كما قال الرب لنيقوديموس: ” أَأَنتَ مُعلِّمٌ في إِسرائيل وتَجهَلُ هذِه الأَشْياء” (يوحنا 3: 10).