
أثرا كادو – القوش
كل بلدة لها تاريخها وتراثها وثقافتها، وأخص بذلك بلداتنا الكلدانية السريانية الآشورية، في عموم بيث نهرين، هذه البلدات والقرى تعتبر من المناطق العريقة والمأهولة بالسكان منذ آلاف السنين، ومنها بلدتي الحبيبة القوش، التي يعود أقرب ذكر لها في سفر النبي ناحوم، والذي تنبأ بسقوط نينوى، عاصمة الإمبراطورية الآشورية وذلك حدث في القرن السابع قبل الميلاد، عدا ذكرها في الرقع الطينية قبل ذلك بزمن بعيد، وذلك يدل على أن القوش كانت مأهولة بالسكان قبل ثلاثة آلاف سنة على الأقل، وهذا دليل بسيط على أن تاريخها يحمل في طياته ثقافة وتراث عظيم لا حدود له.
هوية التراث المعماري:
ان أحد أهم الأسس التراثية التي تعبر عن هوية أي بلدة أو منطقة هي بناياتها وبيوتاتها، وفي القوش، وكما حماها جبلها من التعديات والهجمات التي طالتها عبر القرون، كذلك كان آباؤنا محظوظين بنوع المواد في المنطقة، فقد استخرجوا الجير للبناء به، بدلاً من الطين الذي لا يدوم، وهذا ما جعل جدران بيوت القوش القديمة صامدة لليوم منذ قرون.
كارثة الإهمال والهدم:
اليوم، لدينا محلتين كاملتين مبنية من الجير والحجر، بيوت بنيت بسواعد وجهود آباؤنا قبل قرن أو أكثر، لتبقى صامدة ضد عوامل الطبيعة والحروب التي طالت المنطقة، ولكن، بعد هذا الصمود الطويل، رأينا في السنين الأخيرة جريمة لا يُغفر لها بكل المعاني، وهي أن هناك الكثير من أصحاب تلك البيوت القديمة، بدأوا يهدمون بيوتهم في المحلة القديمة، وبناء بيوت جديدة بمواد حديثة وتصميم لا يمد للتراث المعماري للبلدة بشيء، والأسوأ بأن العقلية العامة تعتقد بأن هذا الأمر إيجابي وتطور، في حين أن أرقى بلدان العالم يفتخرون بتطورهم من خلال الإبقاء على تراثهم المعماري بعد المحافظة وترميم بناياتهم القديمة.
حادث الخالة سورما والصحوة المعكوسة:
قبل حوالي سنة من الآن، وتحديداً في نيسان 2024، وقع حادث مؤسف، وتوفيت إمرأة بسبب سقوط حائط عليها، نطلب لها الرحمة والغفران، وكنت أتمنى أن يكون رحيل هذه المرأة صحوة لأهالي بلدتي، وبالفعل حدثت صحوة، ولكن من النوع الذي يزيد الجريمة التراثية، وجعل دماء هذه المرأة يذهب سُدى، فقد حاول الحجر أن يصحينا من غفلتنا، وأن يُذَكِرُنا بهجرنا له عسى وأن نعود إليه ونطيّب جُروحه. ولكننا أبينا الصحوة، وفضَّلنا الغوص في سباتنا وجهلنا بما نملكه من كنز لا يعوّض، لتبدأ بلدية القوش بطلب الرخصة من أصحاب البيوت القديمة، منها الآيلة للسقوط والأخرى التي واضحة بأنها ستصمد لسنين أخرى، لتكون المحصلة حوالي 80 بيتاً تحولت إلى أكوام حجر، لتُدفَن تحتها الذكريات وتاريخ وتراث عريق لا يمكن إعادته، وذهب موت الخالة سورما هباءً.
الاصرار على جريمة محو التراث:
قبل أيام سمعت بأن هناك حملة لهدم مجموعة أخرى من البيوت، وها نحن بعد سنة، ولم يفكروا أهلنا بالمهجر ترميم بيوتهم ولا حل المشكلة بالشكل الصحيح، إلا القلة القليلة، فهدم البيوت ليس الحل بل هو تدمير التراث المعماري.
الاعمار الجزئي المُفرح:
في الجانب الآخر من القصة، نرى نشاط عظيم، رغم مساحته القليلة بالنسبة لمحلتين كاملتين، إلا أنه سيبقى كلؤلؤة جميلة في قلب القوش، ليحافظ على تراثنا الجميل، وهو تعمير السوق القديم لألقوش بتصميم تراثي مُبهر، ليعيد لمن عاش حياة السوق ذكريات جميلة لا تُنسى، ويبهر المشاهد بجمال أخاذ يحمل في طياته تاريخ عريق، ولهذا نشكر الكنيسة على مبادرة بدء تعمير السوق كما والقائمين على تنظيم المهرجان السنوي لسوق القوش القديم للسنة الثالثة على التوالي، كما لن ننسى منظمة شلاما وجميع المتبرعين الذين دعموا هذا المشروع الكبير، وبما أن هذا المشروع جاء من صميم أبناء البلدة، فليكن بداية تستمر وليس مشروع واحد فقط، بل مشاريع متتالية ويبدأ كل صاحب بيت في القوش القديمة بتعمير بيته بالصورة الصحيحة وكما هو، لتصبح المحلة القديمة مركزاً لهوية البلدة وللسواح وعاشقي التراث، من الأهل والأجانب، وفي نفس الوقت تصبح وسيلة تجارية أخرى لخلق فرص العمل لشبابنا، فإذا أراد صاحب الدار تأجير بيته ليكون مخدعاً لمن يريد البقاء في القوش لفترة وجيزة، وبالتالي سيمنع ذلك من انهيار هذه الدور، ونحافظ على ما تبقى من بيوتاتنا الجميلة العريقة، وليس الموافقة على هدم البيت بكل بساطة والمشاركة في جريمة مسح الهوية التراثية لألقوش.
رسالة إلى أحبائي الألاقشة وجميع بلداتنا:
أحبتي الهدف من هذا المقال ليس للتهجم على جهة أو شخص أو مجموعة أشخاص، ولا دعاية لآخرين، فالذي يفعل الصح لا يحتاج لدعاية، بل هو لتوعية أبناء بلدتي الحبيبة، وكل بلداتنا التي تحمل تاريخ عريق، وخاصة الموجودين في الخارج، لأنني أعلم عن حبهم وارتباطهم القوي بوطنهم، ولذلك، فإن أبسط وأول شيء يمكنهم فعله من أجله هو ترميم بيوت آبائهم وأجدادهم ليحافظوا على تراث عوائلهم وبالتالي التراث المعماري لبلداتنا العريقة.
الخلاصة: أجدادنا كانوا بناة عبر آلاف السنين، وهم أول من بنوا وأسسوا المدن، لنقتدي بهم ولنكن بناة لا هدّامين.