الكاردينال لويس روفائيل ساكو
إن لفظة “الطقس- طكسا” معرّبة عن اليونانية “taxis” وتًعني الترتيب والنظام. وتُشير هنا إلى مراسيم العبادة في الكنيسة وصلواتها والإحتفال بأسرارها وأعيادها. يعبر طقس كنيسة ما عن إيمانها وتقليدها وتعليمها،أي عن ذهويّتها.
الليتورجيِّاLiturgy كلمة يونانية تعني خدمة الصلاة والعبادة. وقد استعملت كنيسة المشرق كلمة سريانية”ةشمشةا-خدمة” للدلالة على هذا العمل الروحيّ المتميز. الليتورجيا مشروعٌ يهدف إلى تعميق معاني الصلاة وأبعادِها في حياة المؤمنين، حتى تغدو ينبوعَ حياةٍ لهم، وتَصيرَ حياتُهُم صلاةً دائمة.
طقس كنيسة المشرق الكلداني-الآشوري هو أبسط الطقوس الشرقية، وأقدمها. نشأ في بلاد ما بين النهرين( Mesopotamia)، اي في منطقة بعيدة عن التأثير الهليني( اليوناني). نشأت في بيئة من أصل أورشليمي (يهودي) يظهر ذلك من الريازة الكنسية: قدس الاقداس، الستارة، البيما، واستعمال ترتيب المزامير.. وحافظ على لحنٍ غير مقّيدٍ بأساليب النوتة وأوزانها. إنها ألحان شجيّة، ذات صبغة من الخشوع والرجاء والفرح.. وتتكون هذه الليتورجيا من صلاة المساء “رمشا” والصباح “ؤفرا” والصوات الاخرى مثلا في الصوم الكبير وكذلك الاحتفال بالاسرار السبعة..
في البداية كانت توجد خدمتان: الأولى للشعب “الكاتدرائية” في المدن والقرى، والثانية للرهبان في الأديار. هذا التمييز إختفى لاحقًا وغدت خدمة واحدة للجميع.
دخلت التآليف الشعرية ذات قافية موزونة في الليتورجيات الكنسية. نجدها بكثافة في صلب ليتورجيا كنيسة المشرق. الأجناس الادبية المستعملة هي: عونيةا ” ترتيلة” وهي ابيات قصيرة وةشبوخةا”تسبحة” وهي أبيات شعرية أطول من عونيثا، ومدراش وهو نص شعري تأملي وتعليمي، ونادرا ما نشاهد ميمراً، أي مقالة شعرية طويلة، خارج رتبة صيام نينوى “الباعوثا”. هذه التراتيل المختارة تصاحبها صلوات كهنوتية وطلبات وردات يؤديها الشعب.
يعود الفضلُ في تنظيم طقوس العبادة ورتب الأسرار في كنيسة المشرق إلى البطريرك العظيم إيشوعياب الثالث (+659) ورهبان الدير الأعلى (الطاهرة الحاليّة في الموصل).
نُظّمت السنة الطقسية الكلدانية على محور “تدبير الخلاص– ܡܕܒܪܢܘܬܐ oikonomia ” حتى يَنْصَبُّ إهتمام المؤمنين خلال مدار السنة، على التأمُّل في محطات حياة المسيح، يأخذون منه ويُضيفونه إلى ما هم عليه كي يتحول شيئاً فشيئاً إليهم وينضموا الى ” الملكوت” الذي بشر به.
تعرض السنة الطقسية على المؤمنين مراحل تاريخ الخلاص المختلفة بشكل واقعي وراعوي (المعنى اللاهوتي والأخلاقي) ويتكلل تدريجيا بتقديس الكنيسة المجاهدة ( البعد الأواخري)، الى الكنيسة الممجدة.
التدبير سياق تصّوفي للتعرّف على شخص المسيح والإندماج فيه. إنه برنامج تنشئة على التفكير والتأمل في المواضيع الأساسية والمصيرية لايمان الجماعة المسيحية( الكنيسة) ووعيها لسرّ دعوتها، وتوجّه صلاتها ومسيرتها.
تتالف السنة الطقسية الكلدانية من عشرة أزمنة طقسية ( سابوع – ܫܒܘܥܐ)، منها ما يختزل بأحد واحد أو اثنين بسبب تاريخ عيد الفصح بحسب التقويم القمري. وتبدأ بالبشارة في شهر كانون الأول وتنتهي بتقديس الكنيسة في شهر تشرين الثاني.
زمن البشارة – الميلاد: زمن البشارة قوامُه أربعة آحاد فضلاً عن أحدَين للميلاد. تُدخلنا البشارات إلى سرّ التجسد – التدبير من خلال السهر والصلاة والتأمل في الكتاب المقدسـ وعمل الإحسان والإنتباه لعلامات حضوره، هذه البشارات هي ايضا لنا.
زمن الدنح: يشمل 7-8 آحاد. يُدخلنا إلى معرفة شيءٍ من سرّ الله المتجلى لنا في “وحيٌّ فريدٌ” حيث يظهر الله الثالوث: بشخص يسوع المسيح الابن، وبصوت الآب: “أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضِيت” (لوقا 3: 22)، وبشخص الروح القدس (الحمامة). هذه الصورة المُرتسِمة بالمعمودية في حياتنا وعلى وجوهنا، ينبغي أن نكتشف معناها ونروح مثل يوحنا المعمدان، نشهد لما لاأيناه وسمعناه واختبرناه من تجليات الله.
تدعونا الكنيسة في زمن الدنح لنَعي هويّتنا كمسيحيين واعين، ومهمتنا كتلاميذ للمسيح، ورُسل مدعوين الى ان نعمّد العالم كله ليشُعَّ بنور المسيح ويبلُغ كماله.
اتمنى ان يستمر التسلسل من دون تقطيع الاحادات بسبب باعوثا نينوى، اي القفز من الاحد الثالث الى الخامس, لا يوجد سبب ليتورجي لهذا التقطيع!!
زمن الصوم: الصوم يأتي بعد الدنح، أي بعد العماد ويتضمن 6 أسابيع فضلاً عن الأسبوع المقدس يبدأ بالسعانين ويُكلّل باحد القيامة. الصوم زمن قويٌّ للخروج من المعتاد ( الروتين) للإرتقاء إلى عالم الله، من خلال مراجعة الذات وممارسة الصوم والصلاة والصدقة. زمن يمكّننا من عيش البنوة الإلهية كما عاشها المسيح.
زمن الفصح – القيامة: يتوزع على 7 آحاد. أحد القيامة ويسمى “أسبوع الأسابيع” ويليه “الأحد الجديد، أحد توما”. إنه الزمن الجديد، زمن الملكوت، فالمعمَّدون من الآن وصاعداً ينتمون إلى زمن القيامة، زمن الله. وتعرض احاد هذا لاالزمن ترائيات المسيح لتلاميذه، مما يعزز رجاءهم.
زمن العنصرة – الرسل: تُختَم أفراح القيامة بأحد حلول الروح القدس، ويشمل 7 أسابيع. إنه زمن الكنيسة. المسيح صَعِد إلى السماء، واعتمد على تلاميذه والمسيحيين في حمل إنجيل الفرح الى جميع الشعوب وبكل اللغات. كل مسيحيّ شاهدٌ ومبشر,
زمن الصيف وإيليا – الصليب – موسى: هذه الازمنة التي يتوزع كلٌ منها مبدئياً إلى سبعة آحاد هي أزمنة توبة واهتداء. وتشدد على دعوة المسيح الى التوبة والاهتداء لنيل الحياة الابدية. من المفيد أن يقطع الإنسان إهتماماته اليومية لكي ينزل إلى أعماق ذاته، مقَيِّماً ما حقَّقَه وما يتَطلع اليه. في نهاية زمن الصيف يقع عيد التجلّي: إيليا وموسى يحيطان بالمسيح، حضورهما شهادة لإكتمال الأزمنة. لذا يعقبه زمن إيليا وزمن موسى يتوسطهما عيد الصليب محور الخلاص وهو ثلاثةآحاد؟. هذه أزمنة متميزة الفاعلية لإستعادة الوحدة( التناغم) التي خرَّبتها الخطيئة فينا.
زمن تقديس البيعة: التقديس عنوان هذا الزمن وختام السنة الطقسية. فالتدبير يهدف إلى تقديس “بيت الله وقلوب الناس“، حتى يكونوا جديرين بقداسة الله وبملكوته.
هذه الازمنة تتخللها أعياد وتذكارات (منظمة عموماً في أيام الجمع) . اما أيام الآحاد مخصصة لشخص يسوع المسيح لمحطات قيامته وصعوده وتمجيده وحضوره، تهدف كلّها إلى شدّ المؤمن إلى الله، وتصويب نظره إليه لأنه يشكل “أرض ميعاده” ومستقبله!.
اتمنى استعادة بعض الاعياد كما كانت قبل عملية التغيير التي قام بها مثلث الرحمات البطريرك بولس شيخو في سيعينيات القرن الماضي، اي ان يكون عيد مار يوسف في 19 اذار، الرسولين بطرس وبولس في 29 حزيران والبشارة في 25 اذار انسجاماً مع الكنيسة الجامعة، خصوصا ان لنا ابرشيات وخورنات في الغرب الكاثوليكي.
“نحن ساهرون ومصابيحنا مشتعلة، ننتظرُ عودتَك ايُّها الربُّ يسوع”