المعمر الشماس يوسف ياقو شامايا

Khoranat alqosh10 مايو 2017463 viewsLast Update :
المعمر الشماس يوسف ياقو شامايا


باسل شامايا يسعدني ويشرفني ان اكتبولو باختصار عن أحد أبناء القوش الذي عاش حياته فيها حاملا اسمها بين جوانحه وحدقات عيونه حتى غادرها الى استراليا ليعيش في خضم الغربة شوقه الجامح لبلدته واهل بلدته وذكرياته . لقد حمل رسالته الانسانية في مجال عمله الذي قضى عمره دءوبا متفانيا ومخلصا في أدائه ، خصوصا خلال ارتقائه باطفال البلدة المكلف بتعليمهم من قبل الكنيسة في القوش ، حيث كان يقضي معهم جلّ اوقاته باذلاً جهودا حثيثة في تعليمهم وتوجيههم توجيهاً تربوياً صحيحاً حتى بات علما تربويا يذكره اهالي البلدة على الدوام … فالكل يعرفه ويعرف ما قدمه من عطاء ملأ فيه صفحات الماضي ، وقد آثرنا أن نتحدث عنه وعن سيرة حياته ، انه المعمّر يوسف ياقو هرمز شامايا الذي ولد في القوش عام 1924 ، انحداره من عائلة معروفة اجتماعيا وفكريا وثقافيا ، انه الشقيق الاكبر لأشقائه الاربعة ( شقيقين وشقيقتين ) .. انهى دراسته الابتدائية في القوش عام1937 – 1938 ونتيجة لظروف عائلته الصعبة توقف عن تكملة الدراسة لكنه في عام 1941 بعد ان سنحت له الفرصة لتكملتها سافر الى بغداد ليقدم اوراقه ووثائقه الى ادارة مدرسة الصناعة ، لكن غياب المدير الذي كان من معارف والده حال دون تحقيق امنيته التي كان يهفو الى تحقيقها ، فعاد الى القوش ليعمل مع أبيه في دكانه الصغير لصنع انواع الاحذية ، مساعدا اياه في كسب لقمة العيش لعائلتهم الكبيرة ، استمر بعمله هذا من عام 1942 حتى عام 1947 ثم اختير من قبل الكنيسة في القوش للاشراف على تعليم أطفال روضة القوش البالغ عددهم بين 60 – 70 طفل وبراتب قدره خمسة دنانير شهريا ، وكانت الفترة الزمنية التي قضاها في توجيه اولئك البراعم الصغار قد تركت عندهم أثراً ايجابيا ما زال عالقا في ذاكرتهم حتى يومنا هذا بالرغم من بلوغهم السبعين من العمر وربما اكثر ، ما زالوا يتذكرون اسلوبه الشيق وطريقته المثلى في التعامل معهم . استمر بعمله هذا حتى عام 1953 وفي هذه الفترة وتحديدا عام 1950 تزوج من السيدة عزيزة داود وزي التي انجب منها تسعة اولاد ( ستة بنين وثلاث بنات ) أكبرهم سنا مواليد 1952 واصغرهم 1974 . كانت امنيته التي تراوده على الدوام ان يجد اولاده مثالا للأبناء الصالحين يسيرون على نفس النهج الذي سار هو عليه ، وبالفعل تحقق ما كان يريده ويتمناه . بعد تركه العمل في تعليم اطفال روضة الكنيسة عمل ( مراقب عمل ) في مشروع بناء دور معلمي الادارة المحلية وبأجور يومية ( 250 فلس ) ولم يستمر عمله في هذا المشروع اكثر من عدة اشهر ليعمل بعد ذلك في دائرة البريد والبرق كمصلّح لخطوط الهاتف ، وتواصل في عمله هذا حتى عام 1959 حيث تحول من عامل( بعقد عمل ) الى عامل دائمي على ملاك الدولة . لقد كان طموحه يحثه دائما ان يبحث عن العمل الذي يوفر له ظروفا معيشية أحسن لكي يضمن لعائلته واطفاله مستقبلا أفضل ، فكان يقوده ذلك الشعور للمتابعة والبحث لتحقيق هدفه المنشود .

في هذا العام علم عن فتح دورة صحية في مستشفى الموصل تستغرق سنة واحدة ، ليصبح الشخص المقدم اليها مؤهلا لوظيفة المضمد الصحي ، وبالرغم من ظروفه المادية الصعبة قدم مستمسكاته الرسمية الى ادارة المستشفى فحصل على قبول في تلك الدورة والتي اطلق عليها دورة الخمسين مضمداً .. كانوا يتلقون محاضراتهم باشراف اطباء اختصاص في المستشفى .. كان يتقاضى خلال الدورة راتبا شهريا قدره خمسة دنانير فقط .. يدفع منه دينار ونصف الدينار للايجار والباقي يسد به رمق العائلة المتكونة من زوجة وثلاثة اولاد وابنة واحدة ، وأحيانا كان شقيقه يساعده بمبلغ متواضع كل شهر ليتمكن من اجتياز تلك المرحلة . وبعد معاناة وصعاب كثيرة انتهت تلك السنة حتى تخرج بنجاح وتفوق وفي 30/10/1960 حيث تزامنت فرحة صدور أمر تعيينه في مستشفى الموصل مع فرحة ولادة ابنه الخامس أياد ولم يبق الا سنة واحدة في ذلك المشفى حتى صدر امر اداري في 20/11/1961 بنقله الى قرية بريفكا التابعة لمدينة دهوك/ كردستان .. تلك القرية الجميلة والساحرة بطبيعتها الغنّاء .. حيث كان المرء لا يكف عن مغازلة تلك الاجواء الموغلة في الجمال . التحق في البدء لوحده الى مكانه الجديد بتاريخ 23/11/1961 واصطحبته سيارة الشرطة الى هناك ليستلم المستوصف الصحي بكامل أثاثه من بديله الموظف الصحي المنقول .. وبتأريخ 20/12/1961 جاء والده المرحوم ياقو هرمز شامايا من القوش مصطحبا عائلته واطفاله ليسكنوا الى جواره في تلك القرية . عاش مع عائلته المتكونة في تلك الفترة من سبعة افراد حياة ملئَها الافراح والمسرات،تربطه علاقات اجتماعية حميمة مع اهالي القرية ، علما ان عائلته كانت الوحيدة التي تدين بالديانة المسيحية فيها ، حيث كان وجهاء تلك القرية يكنّون له كل الاحترام والتقدير والمساعدة ، ولكن بسبب عدم استقرارالوضع السياسي في عموم العراق حال دون استمرار تلك الايام الجميلة والحياة الهانئة ، ونتيجة لاندلاع الحرب المحلية في ذلك الوقت تعرضت القرية الى هجوم مما ادى الى مغادرة اهاليها تاركين منازلهم

وممتنلكاتهم ، فخسر منزله و كل اثاثه ، لكنه تمكن من انقاذ عائلته دون ان يصيبها اي اذى حيث كانت قد غادرت القرية الى القوش قبل نشوب تلك الاحداث .. وبقي مع اهالي البلدة لعدة ايام والحمد لله لم يتعرض الى اي اذى ، لكن ما كان يملكه بات انقاضا بسبب ما حدث ، واخبروه بأنه سوف يعوضونه عما خسره لكنها كانت مجرد وعود لا اكثر . ومن ضمن المناطق الى انتقل اليها وعمل فيها بعد قرية بريفكا لممارسة وظيفته التي كان دءوبا ومخلصا لها ، دون ان يتقاعس يوما في أدائها حتى في احلك الظروف التي عاشها .. كان قضاء الشيخان ثم مدينة الموصل فناحية بعشيقة التي تعتبر احدى المناطق التي مكث فيها حوالي عقد من السنين مؤدياً وظيفته بكل أمان ، بنى خلالها علاقاته الطيبة مع اهالي المنطقة .. حتى رزقه الله بمولودين فيها ، عاشت العائلة عموما تربطهم علاقات طيبة مع اهالي بعشيقة وكأنهم باتوا من اهاليها الاصليين ، وقد تألم اهالي الناحية كثيرا حينما غادرها مع عائلته الى مسقط رأسه القوش عام 1978 بعد صدور امر نقله الاداري الى هناك وكانت المحطة الأخيرة التي احيل فيها الى التقاعد وذلك في اواسط الثمانينات من القرن المنصرم . لم يتوقف عن القيام بمبادراته الانسانية التي اعتاد عليها على الدوام في معالجة حالات الاحتراق التي كان يتعرض لها اهالي المنطقة ولا يرفض معالجة ومداواة مريض او زرق الابر حتى في حالات متأخرة من الليل ، حيث كان يهرع الى حيث يرقد المريض لمعالجته دون كلل او ملل حتى وان كان يسكن في نهاية البلدة ، علما كانت قدميه هي التي توصله الى المريض ذهابا وايابا دون ان يكلف اهل المريض بنقله من داره الى حيث المريض وبالعكس . ومن نشاطاته الادبية شارك بكتابة مقالات عديدة في مجال اللغة والتاريخ كما قام بتأليف كتاب عن ضحايا الحرب العراقية الايرانية من ابناء القوش والذين بلغ عددهم اكثر من 100 شاب في عنفوان شبابهم وكذلك له كتاب آخر يروي فيه احداث القوش خلال 100 عام وما زال الكتابين تحت الطبع ، اضافة الى مشاركاته في الاماسي الشعرية التي كانت تقام في القوش بين فترة واخرى .. وبخصوص توجهاته الروحية كان مواظبا في حضور مراسيم الصلاة بشكل يومي ومنذ نعومة أظفاره حيث كان مولعا جدا بالطقس الكلداني ويجيد اللغة كلاما وكتابة وقد رسم شماسا في القوش وبقي رئيسا لأخوية القربان المقدس حتى مغادرته البلدة وكان يقضي احلى اوقاته مع صديق عمره الشماس الراحل اندراوس صنا ، يلتقيان كل صباح في المنزل لتلاوة ألحان الطقس الكلداني ، ثم يحضران مراسيم الصلاة يوميا وبعد انتهاء المراسيم يتوجهان الى طريق دير السيدة ليستمتعا بالحديث الشيق خلال المسير وهكذا بشكل يومي . في عام 2005 غادر موطن آبائه وأجداده حيث انضم الى قافلة الهجرة متوجها الى استراليا وهناك التقى بابنتيه وولده ليقضي بينهم بقية سني حياته .. حيث جدولَ هناك وقته اليومي بالمطالعة والمشي ثلاث كيلومتر يوميا ويقوم بزيارات عائلية لأقربائه من اهالي القوش ومشاركتهم افراحهم واتراحهم .. ولم ينقطع عن اداء التزاماته الدينية كالصلاة وحضور المراسيم الطقسية والمناسبات الاجتماعية والدينية في الكنيسة ، بالرغم من بلوغه التسعين من العمر . وفي ختام مقالتي اتمنى لك سيدي الحبيب عمرا مديدا زاخرا بالصحة وراحة البال لتبقى دوما تلك الشمعة التي أنارت وتنير لأولادك واحفادك طريقا الى السعادة الحقة


جميع الحقوق محفوظة لموقع خورنة القوش لا يسمح بنشرها الا بموافقة ادارة الموقع

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل!