رسالة راعوية بمناسبة الصوم الكبير الى ابناء ابرشية القوش وتوابعها المباركون

Khoranat alqosh25 فبراير 20221759 مشاهدةآخر تحديث :
رسالة راعوية بمناسبة الصوم الكبير الى ابناء ابرشية القوش وتوابعها المباركون

رسالة راعوية بمناسبة الصوم الكبير

احباءنا ابناء ابرشية القوش وتوابعها المباركون

يعيش العالم المسيحي زمنا ليتورجيا مهما في هذه الايام، زمن الصوم الكبير. ليس هذا الزمن تذكارا او موسما سنويا، ولكنه فرصة لنعيشها ونحن نسير في حياتنا نحو هدف الملكوت. تدعونا امنا الكنيسة الى الأنتباه الى هذه الايام المباركة وعيشها بطريقة مميزة. لنتذكر هويتنا المسيحية التي من اجل اثباتها وديمومتها نحتاج الى الامور الضرورية التي تنبع من ايماننا ودعوتنا المسيحية. أن نكون أناساً مسؤولين جادين في حياتهم هو امر ضروري ومفتاح لعيش كافة الضروريات الاخرى. أن ما يخنق الحياة المسيحية هي اللامبالاة والفتور والكسل الروحي. نحتاج في هذه الايام أن نهتم بدعوتنا المسيحية التي بدأ حماسها يقل ومعرضة للذبول والموت. الخطر الكبير الذي يحدق بنا هو أن نحمل اسم المسيح في الظاهر، ونعيش حياة مسيحية سطحية جامدة. لننطلق في هذه الايام المباركة لكي:

نجتهد: نحتاج الى بذل جهد اضافي في مسيرتنا الروحية. الجهد ليس ذلك النشاط والتعب العضلي، أنه شعور مسؤول تجاه ايمأننا. يلزمنا أن نخرج من الروتين الذي يسوقنا اليوم لنصبح أناسً خاملين يكتفون بما هو حاضر. يلزمنا أن نتعلم كيف نتأمل ونتعمق ونصلي صلاة نابعة من قلوبنا وواقعنا الحالي، لا نكتفي فقط بترديد صلوات اصبحت محفوظات فرغ معناها بسبب خضوعنا للتعود والروتين.

نقاوم: أن الأنجيل الذي نقرأه في بداية صومنا يتكلم عن تجارب يسوع. لقد عاش يسوع خبرتنا الأنسأنية وتعرض لما نتعرض نحن له، خرج منتصرا فاتحا الطريق لنا لكي ننتصر ونغلب. أن النجاح والنصر يتطلب منا مقاومة التجارب. التجربة هي ذلك الشك الذي تخلقه فينا بعض الاصوات النابعة من مصادر لا تفكر حسب منطق الأنجيل. اصوات تحرضنا على التمرد على الثوابت والقيم، التمرد على القناعة، تجعلنا أن نشعر بأننا اذا غفرنا نكون ضعفاء، واذا ساعدنا نكون اغبياء، واذا تمسكنا بقيم الأنجيل نكون متخلفين. يلزمنا أن نهييء أنفسنا لنقاوم هذه الاصوات التي تبدو وكأنها تريد خيرنا ولكنها تسرق منا سلامنا الداخلي.

نشارك في العدالة: عندما نرى اخوتنا من حولنا محتاجين نتسأل: لماذا يوجد فرق معيشي بيننا؟. يوجد اليوم اختلال في فرص الحياة. الفساد الاداري والاقتصاد المتعثر والجشع والأنأنية هذه وغيرها خلقت فوارق مادية ومعيشية في مجتمعنا. هناك من يتألم وبالكاد يستطيع أن يوفر ثمن الدواء او العمليات الطارئة. نحن كمسيحيين لا يوجد بيننا فارق طبقي لأننا ابناء ذات القرية والعشيرة والكنيسة، ولا يوجد بيننا من هو احق بالحياة الكريمة من غيره. الصوم يعلمنا أن لا نستسلم للواقع ونرضى بأن تكون بينا فوارق، الصوم يدفعنا لنساهم في خلق العدالة من خلال التضامن مع بعضنا وعدم ترك اخوتنا الذين يتعرضون لمحنة قاسية بسبب تكاليف عملية ما او حادث لا سامح الله. أن ننقطع عن الطعام وبعض أنواعه في الصوم ونوفر ثمنه لنساعد به المحرومين هذا سيكون ممارسة حميدة وقيمة.

نتجدد: نحن نعيش في عالم يتغير بسرعة، ففي كل يوم نسمع عن اكتشافات جديدة وكذلك عن مشاكل اجتماعية وسياسية جديدة. يظن البعض أن التجدد هو التخلي عن ثوابت الحياة المسيحية وروحانيتها والاكتفاء برمزيتها لا غير. التجدد هو بناء الثقة الداخلية بقيمة الايمأن المسيحي وفعاليته ضمن عالم يتغير دوما، الايمأن يحمل الاجوبة المناسبة لكل زمأن ومكأن. أن نتجدد يعني أن نعود الى الوراء ليس زمنيا ولكن أن نعود الى اصالة حياتنا المسيحية التي بدأت بالعماذ. هذه العودة تسمى التوبة. لنتعلم من مار بطرس معنى التوبة، لقد خأنه ضعفه لكي يجد الجواب على ما حدث ليسوع الذي اسلم للموت فأنكره، ولكن توبته كانت أن يعود من جديد ليتقبل ألام ربه ومعلمه ويطيع ارادة الله التي ارسلت المسيح لكي يخلصنا بصليبه. نحتاج أن نعترف بضعفنا الذي ينتج من عدم قبولنا لمخطط الله الذي يتضمن حمل صليب الحياة لاجل اعلان الملكوت.

نهتم بما هو جوهري: الحياة المسيحية تركز على المعنى العميق للحياة والخلاص. هذا المعنى يظهر من خلال ممارسات ورتب تقام لكي يتعزز المعنى ويتجسد في واقعنا. الصوم هو اولا تهيئة مكان لله في حياتنا الشخصية، لذلك ننقطع عن الطعام لكي نشعر بحاجة جسدية بدورها تذكرنا بحاجتنا الى الله. ولكن الكلام عن الصوم وممارسته حسب لوائح تحدد وقت الصيام ونوعيات الطعام التي ننقطع عنها فقط يجعل صومنا مجرد قشور وممارسة فارغة. الصوم الحقيقي هو الخروج عن السلبيات التي اصبحت مألوفة في حياتنا وكأنها عادة اعتيادية بخسة. لقد تعود الكثيرين على ان يحلفوا بأسماء الله والقسم به على مدار الساعة، اخرين يتكلمون لغة مكونة من كلمات بذيئة وتجرح واطلاق التهم والبهتان وكلمات تحسب كفرا. الصوم الحقيقي هو الكف عن الخطيئة وعدم جعلها خبزا يوميا اعتياديا. يلزمنا أن نستعيد اللغة المسيحية التي ليست لهجة وكلمات وقواعد، ولكنها كلمات نقولها في حياتنا بها نبارك، نتمنى الخير، نظهر محبتنا، نجعل الاخر يصدقنا ويثق بنا، نسامح، ننتمي، نظهر مسؤوليتنا، نعلن أننا ابناء الخلاص وابناء الله محررين بدم المسيح.

لنوفر طاقاتنا ومواردنا: أن الصوم بالطبع ليس من اجل التوفير، فهناك من يعتقد أن الصيام من اللحوم هو توفير للمال لاستخدامه في فترة اخرى غير الصوم. لقد اشرنا اعلاه بأننا نستطيع استخدام المال الموفر عن هذا لمساعدة المحتاج وليس لزيادة رصيدنا الشخصي. ولكن مع هذا اتكلم عن توفير اخرى مطلوب منا في فترة الصوم. نجد الكثيرين يهدرون طاقاتهم في الالعاب الالكترونية واستخدام الهواتف الذكية ومواقع التواصل بأفراط. التقليل من هذا الاستخدام يوفر علينا وقتا نستخدمه للصلاة والعمل ولقاء الاصدقاء ويوفر علينا صحتنا الجسدية والنفسية. أن ظاهرة تدخين الاركيلة ( الشيشة) والخمور والادمأن عليها اصبحت ظاهرة تعكس لنا تعاسة الواقع. اليس الصوم مناسبة للتوقف عن هذا الادمان لاجل صحتنا؟. الكثيرين باتوا اليوم يهدرون طاقاتهم ضمن عالم الاستهلاك، الركض خلف اخر صرخات الموضة والعطور والتكنولوجية، الكثير من العوائل تستهلك كل شيء ولا تنتج شيء. الاستهلاك ليس فقط ذلك الواقعي، اي الشراء بكثرة، ولكن التفكير اللاواقعي وأنتظار فرص عمل خيالية وتجنب ما هو متاح من فرص عمل اعتيادية موجودة. هناك من يحلم بالوظيفة ( وهو طموح مشروع) ولكن بسبب التدهور الاقتصادي في العراق يقضي على هذا الطموح وصاحب هذا الطموح لا يتحرك ساكنا لايجاد عمل بديل يصون كرامته وأن كان يعمل كعامل عادي. لاجل هذا ازدادت البطالة والتذمر واطلاق الاحكام المسبقة والهرب من الواقع.

ختاما: الصوم هو فرصة عظيمة لاعادة تشكيل حياتنا الأنسأنية والاجتماعية والروحية. أن خلاص المسيح الذي تحقق بموته وقيامته، أنما هو خلاص يشكّل حياتنا بكل ابعادها ويجعلها حياة واقعية وحقيقية. لنغتنم فرصة الصوم الكبير هذا لنعيد حساباتنا وعلاقاتنا مع الله ومع نفسنا وعالمنا، اذ بهذه الاعادة نكون نعيش معنى التوبة الحقيقية. ليبارككم الرب جميعا لنسير معا نحو قيامة المسيح عبر فترة الصوم هذه.

 

المطرأن  مار ميخائيل مقدسي                        المطرأن مار بولس ثابت مكو

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل!