الكاردينال لويس روفائيل ساكو
تؤثّر المصطلحاتُ اللاهوتيّة والليتورجيّة، على فهم الأحداث التي تحصل في حياتنا إيجاباً أو سلباً. هكذا الصلاة، فالصلاة الواعية النابعة من القلب تقربِّنا من الله المحبة وتُعطينا تعزية كبيرة ، وتشجّعنا على السير معه بأمانة الى الأخير، وتُحمّسنا للاخبار عنه.
لا بدّ من التجديد، فالحياة تغيَّرت. وإنسان اليوم غير انسان القرون الاولى والوسطى وعصر النهضة. هناك تغيير عميق في العقلية والثقافة. وثمة جيل جديد يناقش القيم والمعتقدات الدينية والممارسات الطقسية، ولا يقبلها بشكل أعمى، بل يسعى الى إيمان أكثر وعياً وعمقاً، وروحانية واقعية تستقطب حياته ونشاطه، تكون له مصدر إلهام للتغلب على التحديات والأزمات المتنوعة والمتسارعة.
يعود معظم طقوسنا الى القرون الثالث – السابع، وأغلب مصطلحات كتب التعليم المسيحي متأثرة بصيغ وأفكار فلسفية نظرية، وجدالات لاهوتية وعبارات مجردة غير مفهومة. هذه العبارات متأتية من الثنائية الفلسفية اليونانية وبخاصة أرسطو، علماً ان الفلسفة ليست واحدة.
الخروج من هذه المفاهيم وإيجاد لاهوت وتفسير متطور ضرورة لازمة، وإلا كيف نطلب من معاصرينا الالتزام بايمانهم عندما لا يفهمون مصطلحات التعبير عنه. صحيح ان الكتاب المقدس يستعمل لغة صورية – رمزية تعليمية، لكن هذه اللغة فيها إرباك للقاريء المعاصر. يمكن التركيز على ما تهدف اليه هذه النصوص والبحث عن لغة تنقل البلاغ بشكل واضح وبعبارات غير ملتبسة.
اُشير على سبيل المثال الى مصطلح خلاص النفس، وكأن الانسان نفس فقط. لماذا لا نقول “خلاص الانسان”. كذلك نستعمل عبارة “انتقل فلان الى الاخدار السماوية” بدلاً من “انتقل الى رحمة الله”، وهكذا عبارة “نار جهنم” التي لا تتناسب مع رحمة الله، يمكن القول” المحرومون من الله”؟
إن المداريش التي نستعملها في الجُنّاز تدعو أكثر الى النحيب واللطم منها الى تعزيز الرجاء. كذلك غير مقبول اليوم أن يحضر المؤمنون الطقوس من باب الواجب، وممارسة صلوات متكررة من دون ان يفهموها!
الكنيسة التي تسير وتعمل ملزَمة راعوياًّ ان تُرسي بنية تحتية روحية وانسانية وثقافية واجتماعية مناسبة لثقافة مؤمنيها. هذا يفرض عليها ان تبحث عن مصطلحات واساليب أكثر حيوية وفعالية. مصطلحات تكسب مصداقية، إنطلاقاً من الاصغاء الى أسئلة الناس ومرافقتهم ومساعدتهم، كما فعل اللاهوتيون والليتورجيون في القرون الغابرة. كما أشير الى ضرورة عدم الفصل بين التعليم المسيحي والطقوس عن الحياة المسيحية، بل ينبغي تنمية التواصل بينهما. والحمد لله لقد قامت الكنيسة الكاثوليكية بجهود جبارة من أجل التأوين والحداثة.
هناك مفهوم مختلف للايمان (العقيدة) واللاهوت. الايمان هو الاساس، انه فعل حب يأخذ كل كيان المؤمن بمفاهيمه وأبعاده. يراه بعينه المستنيرة (مار أفرام) ويملأ قلبه رجاء وحماسة، بينما اللاهوت تفسير عقلاني للعقيدة. إيماننا يقودنا الى الرجاء الذي هو النور الذي نسير ونعمل على هديه. لذلك لابد من إعتماد لاهوت جديد من منظور مليء بالرجاء، واستبدال الصيغ القديمة باخرى جديدة يفهمها الناس ويعيشون معانيها.