اعلام البطريركية
شارك غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو في مؤتمر نظمته جامعة كوردستان في أربيل تحت شعار: ” الوحدة والدستور في إقليم كوردستان”.
حضره رئيس الإقليم السيد نيجيرفان البرزاني ورئيس وزراء الإقليم مسرور البرزاني والسيدة ريواز فائق وممثلة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت وعدد من الوزراء والنواب ورؤساء أحزاب ورؤساء جامعات وشخصيات سياسية وعلمية، وكذلك حضره الوزير انو جوهر وصفاء هندي رئيس الرابطة الكلدانية وجنان جبار رئيس المجلس القومي الكلداني، وذلك نهار الأربعاء 19 أيار على قاعة فندق روتانا باربيل.
ورافق البطريرك الابوان افرام كليانا مدير المعهد الكهنوتي والأب توماس بهنام من بغداد.
واليكم كلمة غبطته
الدستور المدني والديمقراطية ضمان وحدة المجتمع وتنوعه وانسجامه
ايتها الاخوات، أيها الإخوة،
في البداية يسعدني ان أحيي فخامة رئيس الاقليم السيد نيجيرفان برزاني ورئيس الوزراء السيد مسرور البرزاني والسيدة ريواز فائق رئيس برلمان الإقليم والسيدات والسادة الحاضرين. اشكر رئيس الإقليم ومساعديه على مساعيه الطيبة في انجاح زيارة قداسة البابا فرنسيس للاقليم. هذه الزيارة التاريخية اتمنى من المركز والاقليم استثمارها لخيرهما.. كما لا يسعني سوى ان اقدم لاقليم كوردستان حكومة وشعباً الشكر العميق على استقباله واحتضانه الاف المهجرين مسيحيين وغيرهم الذين طردوا من بيوتهم من قبل عناصر تنظيم الدولة الاسلامية داعش ومن قبلها تنظيم القاعدة. جازاهم الله خيراً.
أشكركم على هذا اللقاء الذي يجمعنا حول الوحدة والدستور، مع تقديري العالي لجامعة كوردستان في أربيل ممثلة برئيسها الدكتور هيجا السندي، على تنظيمها لهذا المؤتمر ودعوتها لمناقشة هذا الشأن المفصلي. انها حالة صحية وحضارية، تبين أن ثمة من يفكر ويدعو الى التدارس المسؤول، تجاه ما يجمع عليه الكثيرون من ضرورة التجدد والمواكبة.
هذه بعض أفكار اطرحها على حضراتكم مركزا فيها.
- التحديث ضرورة ملحة
عند إلقاء نظرة فاحصة على ما حوالَينا، سرعان ما نواجه حقيقة ان العالم تغيّر، وغدا “قرية صغيرة” يمكن الاتصال به بسرعة وبشكل مباشر عبر وسائل الاتصالات الحديثة، سوشيال ميديا والتقنية. العالم مرتبط ببعضه ارتباطاً مصيريّاً، ولا يمكن للشعوب ان تعيش معزولة عن المجتمع العالمي وثقافته، لذلك يتعين على القادة التعامل مع هذه التحولات الحقيقية والكبيرة بجدِّية.
إزاء هذا التطور ما نلبث أن نلمس بأن الحداثة والتحديث ضرورة ملحة. الحداثة تتماشى مع الطبيعة البشرية الفطرية، ومع القوانين الدولية ورسالة الاديان. وينبغي القيام بها بثقة، وفق آليات ديمقراطية حقيقية، ونظام تربوي دقيق، خصوصاً ان في العراق كمركز واقليم، والمنطقة مجتمعات متعددة القوميات واللغات والأديان والمذاهب؛ وتمر بمرحلة سياسية (صراعات وحروب) واجتماعية وثقافية شديدة الحساسيَّة.
- لابد من دستور مدني
السبيل المطروق في عصرنا تجاه هذا الواقع، هو أنه لابد من دستور مدني ينسجم مع الواقع الجديد. دستور يتأسس على ثوابت معتمدة عالميأ، يقرّها القانون الدولي ضمن شرعة حقوق الإنسان كالإعتراف بالتعددية والجندر والتنوعات المشروعة إنسانيا وقانونيا. وعليه ضروريٌّ التحرر من القوانين القديمة خصوصا الاجتماعية المتصلة بالاحوال الشخصية وحرية الضمير، ومعظمها من مخلّفات الموروث القبلي القديم والدولة العثمانية.
هذا التحديث والتأوين يجب ان يستند الى الأسس البنيويّة، ورؤيةٍ واضحةٍ للأنموذجِ السياسي المزمع بناؤه، مع إيجاد آليّة تنفيذ فاعلة، ونهج متابعة قانونية سيادية لصون الدستور وتطبيقه، والا سيؤدي الأمر في النهاية الى تآكل النظام والديمقراطية.
مما يدعو إلى الارتياح والتفاؤل أن اقليم كوردستان يمتلك كلَّ الامكانيات لبناء اقليم ديمقراطي بدستور وقوانين مدنية مؤونة، بحيث يغدو نموذجا نوعيّاً يحتذى به، في المنطقة.
أجل أيها الإخوة والأخوات، ليسمح لنا بالقول، انه لا خلاص الا بدستور حديث يقوم على نظام مدني وديمقراطي يقف على مسافة واحدة من الكل. هذا الدستور المدني سيَسحب البساط، من تحت أقدام المتطرفين و المتحزبين والطائفيين على اختلاف انتماءاتهم.
ودعونا نتساءل كيف يكون النظام الذي يتطلع إليه في المنطقة انسان اليوم؟
الاقليم (والدولة) شخصية معنوية-اعتبارية وليس شخصية حقيقية، فلا يمكن ان ندعوه تحت أي مسمّيات دينية مسلمة كانت او مسيحية.
- التمييز بين النظام السياسي والدين
ولابد من التطمين بأن النظام المدني نظام وطني إنساني وليس مشروعاً دينيّاً دعوتيّا-تبشيريا. المدنية ترتبط بحياة المجتمع بحيادية. تسنّ قوانينها ودستورها على المواطنة، وبالمساواة مع كل شرائح شعبها، وتضمن حقوقهم وواجباتهم، وتوفر لهم حياة كريمة. النظام المدني يُحافظ على وحدة المجتمع والتنوع، ويرسخ الانتماء والولاء الى الوطن. ويتيح الدستور المدني، وبقانون، المجال للمواطن بممارسة إيجابية فاعلة لدوره الوطني، لبناء مجتمع يحتضن الخدمة الانسانية الطوعية، ويدعم التكافل الاجتماعي، ويؤسس لقانون ضرائبي، يُساهم في تطوير البنية التحتية، والرعاية الاجتماعية.. الدستور المدني يضمن الوحدة والتنوع ويرسخ التماسك الاجتماعي.
المدنيةنظام لادارة الشأن العام. تحتضن كل الأديان والثقافات والجماعات واللغات وتدير شؤونهم العامة بعدالة، وتحميهم أمام المخاطر. المدنية لا تتدخل في اختيارات مواطنيها الدينية. في الدولة المدنية يستطيع المواطن ان يكون مسيحياً أو مسلماً أو من ديانة أخرى؛ ان يذهب الى الكنيسة او الجامع أو دار آخر للعبادة لممارسة شعائره الدينية بحرية، ولا تجبر أحدا، بنحو مباشر أو غير مباشر، على اعتناق دين معين، او مذهب محدد كما لا تجبره على الممارسة الطقوسية الدينية. فهذا حق شخصي لا إكراه فيه، ولا تؤدلج المدنية سياستها على دوغمائية (عقيدة) معينة تصطنعها للوصول الى السلطة والهيمنة. النظام المدني يحاسب قانونيا من يثير النعرات والكراهية.
خلاصة القول إن اقحام الدين في السياسة هو تشويه له ولقيمه السامية، لان الدين يختلف عن السياسة. الدين نظام معتقدات وممارسات وطقوس مقدسة. ومهمة رجال الدين هي في توجيه سلوك المؤمنين من خلال إسداء النصيحة والإرشاد ورفع المعنويات–والثقة واشاعة ثقافة التسامح والمحبة والاحترام المتبادل ليعيش المجتمع بسلام واستقرار وتناغم. وهذا ما ورد في خطابات قداسة البابا خلال زيارته للعراق” كلنا اخوة” متنوعون ويجب احترام بعضنا البعض والتعاون من اجل مجتمع افضل.
- لابد من نظام ديمقراطي حقيقي.
الديمقراطية ليست ديكورأ، بل تعني: ضمان الحريات وحقوق الانسان وكرامته، ونشر ثقافة الحياة وازدهار الاقتصاد. الفكر المدني يؤمن بان الحاكمية للشعب وان الشعب مصدر السلطات والسلطة التي يجب ان يتم تداولها بين من هم الأكفأ على القيادة.
أخيراً أيها الأحبة، إن الحلّ والمستقبل لتقدم الشعوب ووحدتها، وبالملموس المعاصر، هو ارساء ديمقراطية حقيقية بدستور مدني تحميه مؤسسات الدولة ذات الصلة، ويحترم حرية الأفراد والجماعات.
شكراً